» دراسة أمريكية تحذر من غرق الإسكندرية بسبب تكرار انهيار العقارات..
» محافظ الإسكندرية: 25 ألف عقار آيل للسقوط بعروس البحر
» خبير: رياح عنيفة تحولت لعاصفة غير مسبوقة.. والتغيرات المناخية السبب
» إنشاء حواجز نباتية خضراء بطول الشاطئ هو الحل الفوري لحماية شواطئ الإسكندرية
كتب – أحمد بسيوني
برق يشق السماء، ورعد يهز القلوب، أمطار غزيرة تغرق الشوارع والطرقات، ورياح عاصفة تطيح باللافتات، وثلوج كثيفة تخيف الأطفال والنساء. كل ذلك لم يكن مجرد تقلبات جوية أو ليلة عاصفة بالإسكندرية، فالمشهد لم يكن عاديًا في سماء المدينة الساحلية، بل كان مخيفًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكأن ما حدث ليلة السبت الموافق 31 مايو مجرد إعلان عن فيلم، أما عرض الفيلم فالله أعلم بميعاده.
هذه الليلة العاصفة لن تمر مرور الكرام، فقد شعر فيها الجميع بضعف الإنسان أمام قوة الخالق عز وجل، فالرسالة كانت واضحة: لا شيء أقوى من قدرة الله، بيد أنها ستفتح تساؤلات قديمة حديثة حول فرص غرق المدينة الساحلية، ومحاولات حمايتها.
العاصفة لم تكن متوقعة وسرعة الرياح بلغت 83 كم/ساعة
لم يشأ مايو أن يمر مرور الكرام، فقد تعرضت محافظة الإسكندرية في نهايته لموجة من الطقس غير المستقر، تخللها سقوط أمطار رعدية وثلجية، مصحوبة بنشاط رياح شديدة بلغت سرعتها 83 كم/س، مما أسفر عن وقوع عدد من الخسائر والتلفيات بالمرافق العامة وبعض العقارات.
خسائر العاصفة في ساعة واحدة
ووفقًا لما ورد من غرفة العمليات الرئيسية ومركز السيطرة بالمحافظة، فقد تم رصد عدد 48 تجمعًا لمياه الأمطار بعدة مناطق تم التعامل معها بشكل فوري، بالإضافة إلى تضرر 10 عقارات جزئيًا بنطاق أحياء (المنتزه أول – المنتزه ثان – شرق – وسط – الجمرك)، وسقوط 7 أعمدة إنارة بأحياء (المنتزه أول – شرق – وسط).
كما تلقت غرفة عمليات المحافظة بلاغات بسقوط 8 إعلانات دعائية بأحياء (شرق – وسط) تم إزالتها بشكل فوري، بالإضافة إلى تلقي 6 بلاغات متنوعة شملت سقوط شجرة، حريقًا بسيارة، سقوط كابل إنارة، وحدة تكييف، ومواسير حديدية خاصة بأعمال ترميم.
خلية نحل لتدارك الأزمة
نجحت غرفة العمليات الرئيسية بالمحافظة في السيطرة الكاملة على الوضع، وتصريف كافة تراكمات مياه الأمطار من جميع المناطق في ساعات محدودة مع شروق الشمس، وعلى رأسها نفق سيدي بشر، حيث عادت حركة المرور إلى طبيعتها دون تسجيل أي معوقات.
ونجحت شركات المرافق، الصرف الصحي بقيادة اللواء محمود نافع، وشركة مياه الشرب بقيادة المهندس أحمد جابر، في التحرك سريعًا وتشكيل خلية نحل على مدار الساعة، بل والتواجد فجرًا وسط رجالهم لحل الأزمة التي أُديرت بحرفية شديدة لأول مرة منذ عقود.
خبير: رياح عنيفة تحولت لعاصفة غير مسبوقة.. والتغيرات المناخية السبب
عقب العاصفة، أعاد الدكتور عصام حجي، عالم الفضاء المصري، التذكير بخطورة التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد، وقال حجي في منشور له إن “شدة العواصف وتغير توقيتها أصبحا نتيجة مباشرة لتحولات مناخية نبهنا إليها مرارًا”.
وأكد أن “الاستخفاف بالعلم وتجاهل التحذيرات من بعض الأصوات التي تخدع متخذي القرار، سيقود إلى نتائج كارثية”، وأشار إلى أن “الإسكندرية تحديدًا معرضة في الفترة المقبلة لانهيارات متزايدة بفعل العوامل المناخية وتهالك بعض البنى التحتية”.
من جانبه، يقول محمود علام، الخبير المتخصص في الفيزياء ومقدم برنامج “فيزيكس بالعربي” عبر صفحته على فيسبوك، شارحًا لمتابعيه أسباب الاضطرابات الجوية التي مرت بها مدينة الإسكندرية خلال الساعات الماضية، وكتب يقول: “باختصار، فيه منخفض جوي قطبي نادر بدأ يضرب سواحل مصر الشمالية الغربية، ونتج عنه رياح عنيفة تحولت لعاصفة غير مسبوقة لم تحدث من قبل بهذا الشكل منذ سنوات.. قطع ثلج تقع من الجو، ورعد وبرق بوتيرة سريعة جدًا، وشدة الرياح وصلت لدرجة أنها أسقطت اللافتات وأعمدة الإنارة”.
وأشار إلى أن ما حدث بالإسكندرية ظاهرة جوية متطرفة بعض الشيء، لكنها تظل عاصفة طبيعية، ووارد أن تحدث، ومش نهاية العالم ولا حاجة… هي فقط مشهد غريب وجديد أن يحصل في مصر بهذه القوة، وغالبًا هذا بسبب آثار التغير المناخي التي جعلت الظواهر الطبيعية المتطرفة تحدث وتتكرر في مناطق كان من النادر حدوثها فيها سابقًا.
نبوءة أم مصادفة؟
في المقابل، تصدرت نبوءة المتوقعة اللبنانية ليلى عبد اللطيف حديث مواقع التواصل، حيث ذكّر البعض بتصريحها السابق الذي توقعت فيه أن “عاصفة قوية ستضرب إحدى السواحل العربية، وتؤدي إلى ارتفاع منسوب البحر وتساقط الثلوج بشكل نادر”، وهو ما رأى فيه البعض تطابقًا مع مشهد الإسكندرية الأخير. وبينما يرفض العلم التنبؤات الغيبية، لا يمكن إنكار تأثيرها على الرأي العام، خاصة في ظل تكرار الكوارث الطبيعية.
قلق السكندريين يتجدد
العاصفة الأخيرة لم تترك خلفها فقط الشوارع الغارقة والثلوج، بل أعادت إلى الأذهان مخاوف السكندريين من مستقبل المدينة الساحلية، التي تعاني من تهالك في بعض منشآتها، مما يجعلها أكثر عرضة لتداعيات التغير المناخي.
وقد حذرت دراسة علمية حديثة صادرة من جامعة جنوب كاليفورنيا أن التغير المناخي الذي يشهده العالم، إذا استمر على حاله، فإنه سوف يؤدي إلى إغراق مدينة الإسكندرية الساحلية المصرية.
ووفقًا للدراسة، يتسارع معدل الانهيارات من انهيار واحد في السنة إلى 40 انهيارًا في السنة، وهو ما يعد أمرًا “مثيرًا للقلق” مع زحف المياه المالحة إلى أسفل أساسات عقارات المدينة.
محافظ الإسكندرية: 25 ألف عقار آيل للسقوط بعروس البحر
وخلال جلسة استماع باللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والإدارة المحلية والشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، قال محافظ الإسكندرية الفريق أحمد خالد حسن سعيد إن هناك حوالي 24 ألفًا و108 عقارات آيلة للسقوط، منها 8 آلاف صدر لها قرارات إزالة، سواء إزالة كلية أو إزالة جزئية.
وأشار إلى أن المحافظة بدأت في ترميم عدد من المنازل، منها 144 منزلًا مطلًا على البحر.
أهم المشروعات لحماية شواطئ محافظة الإسكندرية
أوضح محافظ الإسكندرية أن الدولة المصرية بدأت في تنفيذ مشروع حماية ساحل مدينة الإسكندرية (المرحلة الأولى) من بئر مسعود حتى المحروسة بطول 2 كيلومتر، بتكلفة 193 مليون جنيه، نظرًا لتعرض المنطقة للأمواج العالية وفقدان الكثير من الشواطئ الرملية.
وأشار الفريق أحمد خالد إلى أن المشروع عبارة عن حاجزين من الحواجز الغاطسة: “الحاجز الأول بطول 1100 متر، والثاني بطول حوالي 500 متر”، بالإضافة لأعمال التدعيم لها، كما يشتمل المشروع على عمل تغذية بالرمال بمنطقة الشاطئ خلف حواجز الأمواج الغاطسة بعرض حوالي 30 مترًا.
هذا بالإضافة إلى مشروع حماية ساحل الإسكندرية (المرحلة الثانية) بطول 600 متر، عبارة عن حاجز أمواج ورأس بحرية لحماية سور وطريق الكورنيش بمنطقة لوران، واستعادة الشاطئ الرملي بتلك المنطقة.
وأشار محافظ الإسكندرية إلى أنه سبق وتم تنفيذ عدد من المشروعات لحماية سواحل محافظة الإسكندرية، وهي مشروعات: “إعادة تأهيل حاجز السلسلة بالميناء الشرقي – إعادة تأهيل الحاجز الغربي لقلعة قايتباي – إعادة تأهيل الحاجز الأوسط للميناء الشرقي – التغذية بالرمال بشواطئ ستانلي وأبي قير والمندرة”.
دراسة علمية تقترح إنشاء كثبان رملية وحواجز نباتية خضراء بطول الشاطئ
ورغم مشروعات الحماية البحرية، إلا أنها ليست كافية لحماية المدينة الساحلية، ولذلك اقترحت دراسة جامعة جنوب كاليفورنيا حلًا مستدامًا لأزمة التغيرات المناخية، مبنيًا على استغلال الطبيعة نفسها، من خلال إنشاء كثبان رملية وحواجز متحولة من مساحات نباتية خضراء على طول الساحل، لمنع تسرب مياه البحر، وبالتالي منع تسرب المياه الجوفية للمباني.
وأشارت الدراسة إلى أن هذا الحل مستدام وفعال من حيث التكلفة، ويمكن تطبيقه في مناطق ساحلية كثيرة. هذا بالإضافة إلى ضرورة نقل السكان بشكل عاجل من المناطق المهددة بالانهيار.
من جانبه، قدم الأكاديمي المصري والخبير في التغيرات المناخية والحياة البحرية، عاطف كامل، في تصريحات صحفية، مجموعة من المقترحات لمواجهة المخاطر التي تواجه الإسكندرية والساحل الشمالي في مصر، وكذلك منطقة الدلتا.
وشملت هذه المقترحات التوسع في استخدام المصدات الخرسانية، وتقليل الانبعاثات الحرارية بكل السبل الممكنة، والحد من التأثيرات المناخية السلبية.
وشدد كامل على ضرورة التوسع في البنية التحتية الخضراء، والتصاميم الساحلية الصديقة للبيئة، لتعزيز حماية المدن والمباني المقامة على المناطق الساحلية.
وأكد على أهمية وجود الحدائق الخضراء، مع تقليل انبعاثات الغازات، ومنع تسرب مياه البحر المالحة إلى أساسات المنازل، وتآكل التربة الكربونية.
وختامًا، هل ستتحرك الحكومة والمسؤولون للنظر بجدية في هذه الحلول المستدامة، لإنقاذ الإرث الحضاري العظيم لمدينة من أقدم وأعرق وأهم مدن العالم؟ أم قد تندثر أجمل سكندريات العالم، مهد الثقافة والتاريخ، تحت أمواج البحر؟