كتبت – روان السيد عمارة
الإسكندرية مدينة البحر والتاريخ لم تكن يومًا وجهة عابرة بل كانت وما زالت منصة حيّة سطّر على جدرانها العظماء حكايات لا تُنسى وفي قلب هذه المدينة تقف فنادقها العريقة شاهدة على قرون من التحولات السياسية والثقافية والفنية حيث شكّلت محطات رئيسية في مسار الزعماء والمثقفين والفنانين
هذه الفنادق ليست مجرد منشآت فندقية بل أرشيف حي لذاكرة وطن امتزجت فيها الفخامة بالسياسة والسياحة بالأدب والضيافة بالتاريخ
فندق سيسيل.. عراقة تطل على المتوسط
أُسس فندق سيسيل عام 1929 على يد الألماني ألبرت متزجر وصممه المهندس الإيطالي جوزيبي لوريا ليُصبح أحد معالم كورنيش الإسكندرية ويتميز بطرازه الإيطالي الخارجي ولمساته الشرقية الداخلية وقد استقبل عبر تاريخه شخصيات بارزة مثل الكاتبة أغاثا كريستي ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل وسيدة الغناء أم كلثوم والملاكم محمد علي كلاي والكاتب لورنس داريل ورجل العصابات ألف كابوني
ويندسور بالاس.. فخامة الزمن الملكي
أنشئ فندق ويندسور بالاس عام 1906 في منطقة محطة الرمل ويتميز بطرازه الأوروبي الكلاسيكي وموقعه المطل على الميناء الشرقي وكان مركزًا للنشاط الثقافي والاجتماعي خلال القرن العشرين وشهد لقاءات غير رسمية لقادة بريطانيين خلال الحربين العالميتين ومن بين نزلائه الفنانتان بديعة مصابني وتحية كاريوكا إضافة إلى الفنانين العالميين ريهانا ودريك
هلنان رويال.. قصر للزعماء
يقع فندق هلنان رويال داخل حدائق قصر المنتزه وأُسس عام 1964 لاستضافة أول قمة عربية عقدت في مصر ثم انتقلت إدارته إلى مجموعة هلنان العالمية عام 1987 ويتميز بموقعه الساحر وإطلالته الفريدة على البحر وقد استضاف شخصيات بارزة مثل الملك فاروق والرئيس الفرنسي جاك شيراك والملكة صوفيا والملكة رانيا كما أقام فيه أدباء كبار مثل توفيق الحكيم وأدونيس وأسامة أنور عكاشة إلى جانب نجيب محفوظ وأم كلثوم وفاتن حمامة واحتضن العديد من الفعاليات مثل مهرجان الإسكندرية السينمائي ومسابقة أراب أيدول
لو متروبول.. إقامة بنكهة التاريخ
تأسس فندق برادايز إن لو متروبول عام 1902 على يد معماريين يونانيين وإيطاليين ويقع بالقرب من الموقع التاريخي لمعبد القيصروم الذي شيدته كليوباترا ويتميز الفندق بطرازه الأوروبي وزخارفه الفخمة التي تعكس فخامة حقبة البل إيبوك ولا يزال محافظًا على طابعه التاريخي ومصعده العتيق ولوحاته الأصلية ومن أبرز من أقام فيه الشاعر قسطنطين كفافيس الذي عاش آخر 25 عامًا من حياته في الفندق ولا يزال جناحه يحمل اسمه
فنادق تُحيي الذاكرة وتُجسّد الزمن
في زوايا هذه الفنادق لا تُقيم الذكريات فقط بل تُقيم الروح التي صنعت من الإسكندرية مدينة فريدة لا تُشبه سواها فهنا لا تُروى الحكايات بل تُهمس كما لو أن الجدران تحفظ أسرارًا لا تُقال إلا لمن ينصت بعين القلب ومن سيسيل إلى لو متروبول ومن هلنان إلى ويندسور بالاس تتجلى الإسكندرية ليس كمكان بل كزمن حي تُصبح فيه الإقامة رحلة في كتاب مفتوح كتبه العظماء ومضت به الأيام
هذه الفنادق ليست محطات سفر بل صفحات من ذاكرة وطن تشهد على تحولات السياسة وأصداء الأدب وهمسات الفن وحكايات الحب والحرب كل شرفة تنفست لحظة وكل غرفة خبأت سطرًا من رواية لم تُكتب بعد وإن كانت الجدران لا تتكلم فالإسكندرية وحدها قادرة على إعادة الحياة إلى صمتها وتحويل كل زيارة إلى احتفال بمجد لا يُنسى