توقف البناء وراء ارتفاع الإيجارات والعقارات الآيلة للسقوط
تعاني الإسكندرية منذ سنوات من غياب حركة البناء داخل المدينة، نظرًا لغياب التخطيط ومخططات الامتداد العمراني بالمحافظة، وذلك رغم وجود زخم كبير في المدن الجديدة أو “الكومباوندات” على أطراف المدينة الساحلية، وهو ما تسبب في شلل كامل في المباني الجديدة داخل المدينة ومعاناة المقاولين وارتفاع نسبة البطالة بين العمال الذين لم يستطيعوا العمل في المدن الجديدة.
هذا بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشقق بشكل مبالغ فيه حتى في المناطق الشعبية بالمنتزه والمندرة والعصافرة وسيدي بشر، والعجمي، حتى أصبح امتلاك شقة بمثابة الحلم لدى الشباب؛ وبنظرة سريعة تجاوز متوسط سعر الشقة “غرفتين وصالة” في العصافرة والمندرة نصف مليون جنيه، حتى في العجمي التي كانت بمثابة متنفس للشباب وصلت أسعار الشقق إلى نحو 400 ألف جنيه، في حين أن مقدم سعر الشقة في “الكومباوندات” يتجاوز المليون جنيه.
وقد أصدرت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، كتابا دوريا إلى المحافظات، بشأن اختصار إجراءات استخراج تراخيص البناء في المدن المصرية، حيث تم تقليصها من 15 خطوة إلى 8 إجراءات فقط، مع إلغاء الاشتراطات الصادرة عام 2021 بشأن تراخيص البناء، والذي حدد اشتراطات البناء معينة لمناطق محددة تطبق عليها والعودة للقانون رقم 199 لسنة 2008.
ولكن الوضع في الإسكندرية يبدو مغايرًا حيث لم تصدر أي تصاريح نهائيًا منذ قرار العودة بالقانون القديم نظرًا لغياب المخططات التفصيلية وأسعار التحسينات، التي تعتبر هي السبب الرئيسي في اغلب المشكلات التي تعاني منها المحافظة في ملف البناء في البؤر القديمة غير المخططة في شرق الإسكندرية وغربها، ولذلك لجأت محافظة الإسكندرية إلى وضع المخططات التفصيلية بالتعاون بين المحافظة وكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية والأكاديمية العربية بيد أن هذه المخططات لم ترى النور حتى الآن.
وفي تصريحات لمجلة الإسكندر، قال “محمد أشرف” مقاول، إنه لم يستطيع الحصول على رخصة بناء لعقار في أحد الشوارع الرئيسية رغم سعيه في الحصول على كافة التراخيص اللازمة لبدء البناء، فهل يكون البناء المخالف هو الحل.
وأشار إلى أن هذه الأزمة منذ أكثر من 7 سبع سنوات فلم يستطع أي مقاول أن يضع حجرًا واحدًا في أي مكان حتى في الشوارع الرئيسية المخططة المتاحة التي كانت متاحة للبناء، محذرًا من خطر وجود عقارات قديمة آيلة للسقوط وكان الحل فيها دائمًا هو “الحل البلدي” وهي أن يشتريها مقاول أو يشارك فيها من أجل إزالة الخطر وبناء عقار جديد لحل الأزمة هذا بالإضافة إلى توقف تشغيل العمالة الذين لجأوا إلى مهن أخرى وهو ما قد يسبب أزمة مجتمعية.
ويقول “الحاج صابر” سمسار بأحد المناطق الشهيرة شرقي الإسكندرية، إن غياب المباني الجديدة أدى إلى ارتباع غير مبرر في أسعار الشقق التمليك والإيجار، فعلى سبيل المثال يبدأ سعر الإيجار بمنطقة شعبية بأكثر من 3000 جنيهًا، وسعر الشقق التمليك في تلك المناطق بأكثر من نصف مليون جنيه رغم أن سعرها منذ 5 أعوام فقط لم يتجاوز 100 ألف جنيه.
وأضاف إلى أن أسعار الشقق في بعض المناطق وصل إلى مليون جنيه لأن هناك قلة في المعروض وزيادة في الطلب خاصة مع دخول فصل الصيف وتأجير الشقق كمصايف.
وفي تصريحات لمجلة الإسكندر، يقول النائب أبوالعباس فرحات عضو مجلس النواب عن دائرة المنتزه، إن هناك بطء في إنهاء المخططات التفصيلية من الجهات التي تعاونت معها المحافظة في جامعة الإسكندرية والأكاديمية العربية لإنهاء تلك المخططات، وبالتالي لا يوجد تخطيط لشارع معتمد داخل الإسكندرية، ولذلك يلجأ المواطنون إلى البناء المخالف، مشيرًا إلى تقدمه بمذكرة لمحافظ الإسكندرية الفريق أحمد خالد حسن سعيد حول سرعة إنهاء المخططات التفصيلية لخدمة أهالينا في الإسكندرية.
وأضاف أبوالعباس أن هناك تأخير في إصدار ملف “التحسينات، على الرغم أن إصدار الرخصة غير مرتبط بالتحسينات، وهذا الملف شديد الخطورة لأن هناك ربط بين قيمة التحسينات والرخصة، بسبب بطء الإجراءات في اللجان المشكلة لوضع قيمة التحسينات وبالتالي هناك مشكلة حقيقة لأن هذا يترتب عليه انخفاض كبير في العوائد التي قد تدخل خزينة المحافظة في حال سرعة إنجاز هذه اللجان لعملها.
وطالب النائب أبوالعباس بسرعة إنهاء تلك المخططات وكذلك وضع قيم التحسينات للقضاء على ملف مخالفات البناء، خاصة وأن المخطط الاستراتيجي للمحافظة معتمد منذ عام 2019، والمخططات الموجودة حاليًا هي مخططات المباني الخدمية كالمدارس والمستشفيات فقط والتي صدر المخطط الخاص بها في عام 2023، مشيرًا إلى أن البعد الأهم يكمن في القضاء ملف مخالفات البناء، لأنه في حال خروج المخططات التفصيلية إلى النور لن يلجأ المقاولون إلى البناء المخالف، كما سيؤدي أيضًا إلى زيادة المعروض من الوحدات السكنية وبالتالي انخفاض أسعارها.
من جانبه، قال المهندس الاستشاري السيد حسن، عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين المصرية، في تصريحات لمجلة الإسكندر، إن هناك تحديات قوية تواجه الإدارة للتخطيط العمراني بمحافظة الإسكندرية في هذا الملف المهم، ولذلك لجأت المحافظة إلى المراكز البحثية كجامعة الإسكندرية لإنهاء المخططات التفصيلية، نظرًا لغياب الخرائط التفصيلية المحدثة، هذا بالإضافة إلى وجود عجز في الميزانية المخصصة لإيجاد برامج سريعة لإنهاء ملف المخططات التفصيلية والتحسينات.
وأشار إلى أن ملف التحسينات مرتبط بالمخططات التفصيلية والمخطط الاستراتيجي للمحافظة، من أجل تحديد سعر متر عادل في كل منطقة ولذلك يجب تحديث أسعار التحسينات سريعًا لتغير الوضع المكاني لمناطق كثيرة بالإسكندرية بعد المشروعات الكبرى المنفذة في عروس البحر على مدار السنوات الماضية، وعلى سبيل المثال أسعار التحسينات عقب إنشاء محور المحمودية، يجب تحديثها لأن سعر متر التحسين تغير بعد القضاء على الترعة القديمة والعشوائيات حول المحور وإنشاء مشروعات تنموية.
وأشار المهندس السيد حسن، والذي يشغل منصب أمين الإسكان والمرافق بحزب مستقبل وطن بالإسكندرية، إلى ضرورة تكاتف الجميع من نقابات مهنية كنقابة المهندسين، وأحزاب ومجتمع مدني لمساندة المحافظة في تقليل التحديات، خاصة مع رغبة الفريق أحمد خالد في تطوير عروس البحر بصورة عصرية لإظهار المدينة بشكلها الجمالي كعروس للبحر الأبيض المتوسط.