<< التصويت العقابي أم البدل؟.. أبرز أسباب خسارة عبدالمحسن سلامة في انتخابات الصحفيين.. والشباب كلمة السر
تحليل: أحمد بسيوني – محمد العدوي
جاء فوز الكاتب الصحفي خالد البلشي بدورة جديدة على رأس نقابة الصحفيين متوقعًا لكثيرين، ليس فقط استنادًا إلى أدائه النقابي في دورته السابقة، بل لأنه مثّل المزاج الحقيقي للجمعية العمومية التي بدت مصممة على اختيار من تراه الأقدر على تمثيلها والدفاع عن مصالحها وسط تحديات مهنية واقتصادية غير مسبوقة.
البلشي نجح في تقديم خطاب نقابي واقعي قريب من نبض القاعدة الصحفية، بعيدًا عن الوعود البراقة أو الشعارات المعلبة، وتمكن من التفاعل المباشر مع قطاعات واسعة من الصحفيين، خصوصًا فئة الشباب، التي باتت تمثل الكتلة الحرجة داخل النقابة.
حملة رقمية ذكية تستثمر في أخطاء المنافس
لم يكتفِ البلشي بحضوره النقابي، بل أدارت حملته على وسائل التواصل الاجتماعي المعركة ببراعة، مستغلة الأخطاء الكارثية التي وقعت فيها حملة المرشح المنافس عبدالمحسن سلامة، وأبرزها ضم شخصيات مثيرة للجدل في الوسط الصحفي، إضافة إلى ما أُشيع عن توجيهات صدرت لبعض العاملين في مؤسسات قومية بتصوير بطاقات الاقتراع، وهو ما أثار استياء واسعًا داخل الجمعية العمومية.
نجحت حملة البلشي في تحويل هذه الأخطاء إلى نقاط قوة، فخلقت زخمًا وتعاطفًا معه خاصة بين الصحفيين الشباب، كما تم توظيف الفيديو المسرب من لقائه في الإسكندرية—والذي شهد مشادات كلامية مع بعض الأعضاء—بشكل عكسي من قبل حملة سلامة، ما أسهم في تعزيز صورة البلشي كصوت معبر عن القاعدة لا النخبة، وأكسبه دعمًا إضافيًا من المتابعين على السوشيال ميديا.
التعيينات متوقفة.. والتغيير حتمي
من أبرز العوامل المؤثرة في نتيجة الانتخابات، التحول الجيلي داخل النقابة. فمنذ أواخر عام 2016، لم تُجرِ المؤسسات القومية تعيينات جديدة، ما أدى إلى غياب عنصر الشباب عن هذه المؤسسات. وفي المقابل، أصبحت لجان القيد تستقبل مئات الأسماء الجديدة من صحف خاصة أو مواقع رقمية. النتيجة: جيل جديد من الصحفيين لم يتشكل وجدانه النقابي داخل المؤسسات القومية، بل جاء من خلفيات مهنية مختلفة جعلته أكثر انحيازًا لمن يخاطب قضاياه الحقيقية.
وهذا ما انعكس في سلوك التصويت، إذ حصد عبدالمحسن سلامة ما بين 2200 و2500 صوت، جاءت غالبيتها من الصحافة القومية، حيث يغيب عنصر الشباب بسبب توقف التعيينات، بينما ذهبت بقية الأصوات للبلشي، الذي شكلت فئة الشباب عمودها الفقري.
الوعود لم تعد تكفي
اعتمد سلامة في حملته على وعود اقتصادية كبيرة، مثل تخصيص 1500 شقة و328 قطعة أرض وزيادة بدل التكنولوجيا، لكنه اصطدم بوعي جديد داخل الجمعية العمومية بات يميز بين العمل النقابي الحقيقي والدعاية الانتخابية، كما أظهرت التجربة أن الكرامة المهنية لا تُشترى، وأن الصحفيين باتوا يبحثون عن من يُنصت لهم لا من يُنفق عليهم.
وقد علق الإعلامي محمد علي خير على المشهد قائلاً: أن فوز خالد البلشي لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجة طبيعية لأدائه في الدورة السابقة، وأشار إلى أن الجماعة الصحفية لم تنتخب البلشي خصومةً مع الدولة، بل لثقتها في قدرته على تمثيلها.
وأكد أن التعاون بين النقابة ومؤسسات الدولة ضروري لتحقيق مصالح الصحفيين، مثل زيادة المعاشات والبدلات، وفتح باب التعيينات في المؤسسات القومية، وأضاف أن التحدي الأكبر أمام البلشي هو تنفيذ هذه المطالب مع الحفاظ على استقلالية القرار النقابي.
كما تساءل خير عن سبب عدم نجاح المرشحين المدعومين من بعض مؤسسات الدولة للدورة الثانية على التوالي، معتبرًا أن هذا يتطلب مراجعة من تلك المؤسسات لسياساتها وتوجهاتها، بعيدًا عن الرغبات الشخصية.
حملة مضادة من الإعلام.. ونتيجة معاكسة
رغم حملة إعلامية مكثفة ضد البلشي، شارك فيها إعلاميون مثل أحمد موسى، نشأت الديهي، ومصطفى بكري، فإن هذه الحملة جاءت بنتائج عكسية، فقد رفض كثير من الصحفيين هذه الأسماء، واعتبروا أن تدخلها في الشأن النقابي يفتقد للمصداقية ويعكس توجهًا سلطويًا لا نقابيًا.
مجلس متنوع.. تصويت للكفاءة لا للولاء
النتائج النهائية لم تفرز مجلسًا موحد التوجه، بل جاءت بتشكيلة متنوعة من الاتجاهات المهنية والسياسية، وهو ما يؤكد أن الجمعية العمومية صوتت للأشخاص، لا للقوائم أو التيارات، لم يكن هناك تيار بعينه يهيمن على الانتخابات، بل كان الاختيار فرديًا، يعكس وعيًا متناميًا بقيمة الكفاءة والقدرة على العطاء لا بالولاء الأيديولوجي.
اللافت أن المرشحين الغير محسوبين على تيار خالد البلشي حصلوا على أعلى الأصوات على مقعد العضوية، مما يعكس تنوع التوجهات داخل المجلس الجديد، حيث
حصل محمد شبانة: 2534 صوتًا، وأيمن عبد المجيد 2473 صوتًا، وحسين الزناتي: 2367 صوتًا، ومحمد السيد الشاذلي: 2348 صوتًا، فاز اثنين فقط من التيار المحسوب على البلشي وهم محمد سعد عبد الحفيظ: 2267 صوتًا وإيمان عوف: 1764 صوتًا.
ردود الفعل: ما بين الاحتفال والمراجعة
الكاتب الصحفي أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة “الأهرام” الأسبق، عبّر عن سعادته بفوز البلشي، قائلًا: “فاز من يستحق وخسر من لا يستحق.. وسُحقت اللجان الإلكترونية القذرة بكل أكاذيبها وسفالاتها.”
أما الإعلامي خالد صلاح، فرغم معارضته للبلشي، قال: “أحترم خالد البلشي رغم أنني لست من ناخبيه، وأتمنى أن يحقق ما يتطلع إليه الصحفيون.. قوة النقابة لا تكون بإضعاف المؤسسات، بل ببناء علاقة تكاملية تحمي الصحفي والصحافة معًا.”
كلمة عبدالمحسن سلامة بعد الخسارة
في أول تعليق له بعد إعلان النتيجة، قال عبدالمحسن سلامة: “من المؤكد أن هناك ملاحظات وأخطاء وقعت في الحملة الانتخابية، لكنني بذلت جهدًا كبيرًا وكان لدي طموحات كبيرة للصحفيين. للأسف، الانتخابات شابها تزوير معنوي بدأ بحملات تشويه للمؤيدين، والتشكيك في برنامجي الانتخابي. البعض وقع في فخ الخداع وتأثر بالدعايات السوداء، لكني أحترم قرار الجمعية العمومية”.
كلمة خالد البلشي بعد فوزه للمرة الثانية
في أول تصريح له عقب فوزه بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية، أكد الكاتب الصحفي خالد البلشي التزامه الكامل بمواصلة العمل النقابي وتحقيق وعوده السابقة، مشددًا على أن تحسين الأوضاع الاقتصادية للصحفيين يأتي على رأس أولوياته.
عبّر البلشي عن امتنانه لأعضاء الجمعية العمومية على مشاركتهم الفعالة في الانتخابات، مؤكدًا أن النقابة ستظل بيتًا لكل الصحفيين، وأنه سيكون نقيبًا للجميع، سواء من صوتوا له أو لم يصوتوا.
كما وجه البلشي تحية خاصة لمنافسه عبد المحسن سلامة، مشيدًا بالمنافسة الشريفة التي جرت بينهما، ومؤكدًا على أهمية وحدة الصف الصحفي والعمل المشترك من أجل مهنة حرة وأوضاع كريمة لكل الصحفيين.
خلاصة المشهد
لم يكن التصويت في انتخابات الصحفيين الأخيرة سياسيًا أو نقابيًا فحسب، بل حمل أيضًا بعدًا إنسانيًا وشخصيًا لا يمكن تجاهله، فقد بدا خالد البلشي في عيون كثير من أعضاء الجمعية العمومية نموذجًا لنقابي نقي الطباع، دمث الخلق، متواضع الحضور، يتجول وسط زملائه كواحد منهم، لا كنقيب قادم من برج عاجي أو مدعوم من دوائر خارج الجماعة الصحفية.
أدبه، وتعففه عن الدخول في مهاترات، وتجنبه الاستعلاء، كلها صفات صنعت حوله هالة من الاحترام والثقة، وجعلته أكثر قبولًا عند فئات واسعة من الصحفيين، خاصة الشباب، الذين رأوا فيه صورة حقيقية لنقابي يشبههم، لا يتعالى عليهم. هذا الحضور الإنساني لعب دورًا لا يقل أهمية عن برامجه الانتخابية أو تحركاته النقابية.
ربما رأت الجمعية العمومية في شخص خالد البلشي ما لم تجده في عبد المحسن سلامة، فآمنت بصدق وعوده القليلة على حساب وفرة وعود خصمه، ومالت إلى خطابه الإعلامي الذي بدا أقرب إليهم، بينما تراجعت أمام دعاية مضادة بدت أقل إقناعًا من تلك التي وُجهت لسلامة.