خلال حواره لمجلة الإسكندر..
الدكتور السيد الصيفي: 3.5 تريليون جنيه عجز في الميزانية
<< الصيفي: 44% من صناعة مصر تنبض من الإسكندرية
<< الصيفي: لا استقرار اقتصادي بدون وعي مجتمعي وإنتاج حقيقي
<< الإنتاج هو طوق النجاة من التضخم ولا مفر من إعادة تشغيل المصانع
<< الاقتصاد الموازي يلتهم حقوق الدولة والدفع الإلكتروني هو الحل
<< الصيفي عن غلق بلبن: غلق المحلات الناجحة خطأ استراتيجي في وقت نحتاج فيه للاستثمار
حوار – ملك نور الدين
في ظل الصراعات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم، وبالتحديد مصر، يبرز دور الصناعات المحلية والانتفاضات الجماعية الواعية في تحقيق الاستقرار بشكل كبير. أصبح الاتحاد في الفكر والوعي، والاتجاه نحو “الإنتاج ثم الإنتاج ثم الإنتاج”، ضرورة قصوى، لأن الاستقرار الاقتصادي ينعكس بشكل كبير على سياسات الدول وبالتالي استقرار المجتمعات.
وفي حوار خاص بمجلة “الإسكندر”، نتحدث مع أ.د السيد الصيفي، أستاذ التمويل والاستثمار بكلية الأعمال جامعة الإسكندرية، حول تدعيم الوعي بالوضع الاقتصادي الحالي على المستويين المحلي والقومي، وكذلك العالمي.
ما أهمية الوعي المجتمعي من وجهة نظرك بالوضع الاقتصادي الحالي في ظل الظروف التي يشهدها العالم اليوم؟
الوعي المجتمعي يعد أحد أهم عناصر الاستقرار في المجتمع على جميع المستويات، ليس فقط على المستوى الاقتصادي أو السياسي، بل على مستوى المواطن البسيط الذي يجب عليه استيعاب الأمر وفهم أحداثه. بشكل بسيط جدًا، لدينا في مصر ما يسمى بـ”ميزانية الدولة”، وهي عبارة عن الإيرادات والمصروفات، ولكل منهما أهمية قصوى في اتخاذ القرارات بشأن حل الأزمات الاقتصادية المحتملة. وفي مصر، تواجه ميزانية الدولة عجزًا بقيمة 1.5 تريليون جنيه، لأن الإيرادات تبلغ 3.1 تريليون، والمصروفات 4.6 تريليون، وهذا الفرق يسمى “عجز في الميزانية”، وعند إضافة قيمة قسط سداد قروض الدولة (2 تريليون جنيه)، يصبح إجمالي العجز 3.5 تريليون جنيه.
ما رأيك في القرارات والإجراءات التي تتخذها الدولة لتسوية هذا العجز، تحديدًا برفع الأسعار عن بعض السلع؟
قبل أن أتحدث عن رأيي في هذه الإجراءات، يجب أن نناقش مصادر إيرادات الدولة ومصروفاتها لتقييم القرارات المتخذة. مصروفات الدولة تتوزع بين الأجور والمرتبات، السلع الغذائية، فوائد القروض، الدعم، الاستثمارات، والمصروفات الأخرى. أما الإيرادات، فتأتي من تحصيل الضرائب، المنح الخارجية، والهيئات الاقتصادية المملوكة للدولة.
فيما يخص مواجهة هذا العجز، يوصي صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن بعض السلع، وقد تم بالفعل رفع الدعم جزئيًا عن المحروقات (البنزين، السولار، أمبوبة الغاز)، مما وفر 55 مليار جنيه. كما تم رفع الدعم عن الخبز، مما وفر 15 مليار جنيه، ليصل إجمالي التخفيض إلى 70 مليار جنيه. ومع ذلك، هذا لن يكون كافيًا لسد العجز البالغ 3.5 تريليون جنيه.
بحسب قولك، مصروفات الدولة تتوزع على مناحٍ عدة، فما هو الخطر الأكبر على ميزانية الدولة من مجموع تلك المصادر؟
الخطر الأكبر يكمن في فوائد القروض التي تدفعها الدولة، حيث تبلغ قيمة الفوائد المدفوعة 2300 مليار جنيه، وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا مقارنةً بإيرادات الدولة. لذلك، يجب أن تتخذ الدولة إجراءات لتخفيض معدلات الفائدة في البنوك على أمل تقليل حجم الفوائد التي تدفعها، لكن للأسف نحن نواجه دفع فوائد ضخمة.
ما هي مقترحاتك لمواجهة مشكلات العجز في ميزانية الدولة؟
في البداية، علينا أن نكون على علم بأن الجزء الأكبر من إيراداتنا يأتي من الضرائب. ولكننا لا نريد فرض ضرائب جديدة على المواطنين. الحل يكمن في مواجهة الاقتصاد الموازي، الذي يمثل حوالي 40% من المصانع في مصر التي لا تدفع ضرائب. يجب إدخال هذه المصانع في منظومة الدولة، حتى لو كان ذلك بشكل غير مباشر.
كيف يمكن إدخال هؤلاء المتهربين من الضرائب في منظومة الدفع الخاصة بالدولة؟
الحل هو الدفع الإلكتروني والتوقف عن الدفع النقدي. بدءًا من البائع البسيط إلى أكبر المستثمرين، ستظهر بذلك جميع المصروفات والإيرادات ومعاملات البيع والشراء، ما يسمح بفرض قيمة الضرائب المناسبة بشكل عادل ومنصف.
ماذا تقترح بشأن تحويل جميع القطاعات في الدولة إلى الدفع الإلكتروني في معاملات البيع والشراء؟
يجب تحسين البنية التحتية لهذا النظام. على البنوك أن توفر ماكينات الدفع الإلكتروني للبائعين البسطاء، وأن تقسط لهم قيمتها على مدار ثلاث إلى خمس سنوات. بهذه الطريقة، ستكون الجهات الرقابية على دراية بكل معاملات البيع والشراء، حتى لو كانت بقيمة صغيرة، وبالتالي يتم تطبيق الضرائب بشكل منظم ومناسب.
على صعيد الاقتصاديات المحلية، حدثني عن مدينة الإسكندرية كونها تمثل 44% من صناعة مصر؟
مدينة الإسكندرية تعد واحدة من أكبر مراكز الصناعة في مصر. بالإضافة إلى كونها مقصدًا سياحيًا رئيسيًا، فهي مصدر للعديد من الصناعات مثل الغزل والنسيج، الصباغة، البتروكيماويات، الغاز الطبيعي، الحديد والصلب، الورق والطباعة، الأسمنت، الصناعات الغذائية، والأسمدة. علاوة على ذلك، 88% من تجارة مصر تمر عبر ميناء الإسكندرية، الذي يربط مصر بأوروبا. لذا، يجب أن نولي اهتمامًا أكبر لهذه المدينة، خاصة في ظل إغلاق حوالي 700 إلى 800 مصنع في برج العرب، وهو ما يعد كارثة كبيرة.
ما هو أسرع حل لمواجهة التضخم الذي نشهده اليوم؟
الوعي التام بأن الإنتاج هو الحل الجذري لمواجهة المشكلات الاقتصادية مثل التضخم. التضخم يعني ارتفاع الأسعار بشكل غير معقول، وأكبر مثال على ذلك هو زيادة أسعار تذكرة الترام من جنيه ونصف إلى أربع جنيهات خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية. والحل هو الإنتاج، حتى وإن استغرق وقتًا طويلًا. وبدلاً من البدء من الصفر، يجب إعادة تشغيل المصانع المغلقة.
ما هي سلبيات الإجراءات التي اتخذتها الجهات الرقابية بشأن غلق هذا العدد الكبير من المصانع في برج العرب؟ وما هو الحل لإعادة تشغيلها؟
غلق أي مصدر للإنتاج له العديد من السلبيات، على رأسها زيادة معدل البطالة نتيجة لتشريد العمالة، بالإضافة إلى التأثيرات السلبية على اقتصاد الدولة. الحل يكمن في المصالحة مع أصحاب المصانع المغلقة، ووضع خطة لمساعدتهم على استئناف الإنتاج، بدءًا من التصدير. يجب إعفاءهم من الضرائب المتراكمة، أو جدولة هذه الضرائب، وتقديم قروض تمويلية منخفضة الفائدة لتشجيعهم على العودة للعمل. كما يجب توفير العملة الأجنبية لشراء المعدات اللازمة.
ما رأيك في غلق محلات بلبن ومثيلاتها في الفترة الأخيرة؟
غلق أي استثمار ناجح وقادر على تحقيق أرباح في ظل هذه الظروف هو خطأ جسيم. يجب توفير البيئة المثالية للاستثمار الجيد والمستمر على المستويين المحلي والقومي، خاصة أننا قد فقدنا بعض المستثمرين لصالح دول مثل السعودية والإمارات.
ما رأيك في قرار فرض رسوم جمركية عالية على الصين، ثم تأجيل تطبيق القرار من قبل أمريكا؟
هذا قرار كارثي من أمريكا، حيث فرضت رسومًا جمركية تقدر بـ145% على الصين، ما يعني أن السلع الصينية ستباع في السوق الأمريكي بأسعار مضاعفة. تأجيل القرار لمدة 90 يومًا هو خطوة طبيعية لإعادة دراسة العواقب، حيث سيكون المتضرر الأول هو الاقتصاد الأمريكي، الذي سيواجه تضخمًا غير مسبوق، وهو ما لا يمكن للشعب الأمريكي تحمله.
كيف يمكن لمصر أن تستفيد من الأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، وخاصة القرارات التي فرضتها أمريكا مؤخرًا؟
من المحنة تنبع المنحة، وبفرض أمريكا لهذه الرسوم الجمركية على الصين، تزداد فرصة مصر لجذب المستثمرين، خاصة من الصين. يمكن لمصر أن تفتح أبوابها أمام الشركات الصينية لبناء مصانع في مصر، حيث ستدفع ضرائب منخفضة، مما يسمح لها ببيع منتجاتها بأسعار منافسة في السوق الأمريكي. يجب أن تكون هذه الاتفاقيات مدروسة بعناية وأن تتم بسرية تامة لتجنب تصعيد أمريكا لهذا الموضوع.
