<< ميرفت السيد تروي بدموعها أصعب لحظة: ابني رفض الاحتفال بعيد ميلاده انتظارًا لعودتي من المستشفى
<< من العزل إلى الكارثة.. إصابة والدي وعدوى كورونا تضرب 30 فردًا من العائلة
<< ميرفت السيد: أنا أمٌ قبل أن أكون طبيبة لكن الواجب كان أقوى
<< العزل علمني أن الحياة تحتاج لترتيب الأولويات
<< أعشق العمل الميداني ولن أجلس خلف مكتب مهما كان المنصب الوزاري
حوار – رنيم العشري
دائمًا ما يتولد الأمل والحياة من بين طيات العمل الطبي، وكذلك تأتي النجاحات والكثير من أمثلة النجاح والصمود والتألق. وكما وضع الطب الأمل في حياة جديدة، وضعت الطبيبة الأمل في استمرار الحياة ومواكبة كل الصعاب وبالطبع التحمل والبدء من جديد. “ميرفت السيد” اسم ذُكر كثيرًا وارتبط بالصمود والمسؤولية وكذلك النجاح. د. ميرفت السيد؛ سيدة الـ 118 يوم عزل، المرأة الذهبية الأولى التي جعلت من صرحٍ متهالك، صرحٍ لا يمكن تخطيه، ووضعت الأمل في كل شبرٍ ينتشر فيه الوباء والانطفاء.
وفي حوارٍ خاص بمجلة الإسكندر، تحدثنا مع د. ميرفت السيد، مدير المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة، عن مسيرتها وقصتها الفريدة مع كوفيد-19 وكيف تعاملت معها.
كيف واجهتِ تحدي تحويل مستشفى العجمي إلى مستشفى عزل في ظل الظروف الطارئة؟
تسلّمتُ مسؤولية إدارة مستشفى العجمي، وكانت المستشفى آنذاك تحت التطوير، كان التحدي الأساسي هو إعادة تشغيلها تدريجيًا، قسمًا بعد قسم، تمامًا كما نفعل في المركز الإفريقي لصحة المرأة حاليًا، بدأت أخطو خطواتي الأولى في تجهيز المكان، لكن سرعان ما تبدّلت الأولويات عندما صدر القرار بتحويل المستشفيات النموذجية إلى مستشفيات عزل لمصابي كورونا.
فجأة، أصبح علينا تفكيك التجهيزات التي أعددناها من الحضّانات، وأجهزة الغسيل الكلوي، وغرف العمليات ليتم استبدالها بـ 100 سرير عناية مركزة و100 سرير داخلي، ومن هنا، بدأت رحلتنا الجديدة في مواجهة الجائحة.
كيف كان نظام العمل في مستشفى العزل مع بداية جائحة كورونا؟
لم يكن الأمر سهلًا، خاصة أن الطاقم الطبي يتم استبداله بالكامل كل 14 يومًا، وكنت أنتظر بفارغ الصبر انتهاء كل دورة العمل، لكن مع كل مرة كنت أبقى لأسبوعين آخرين، حتى وجدت نفسي داخل مستشفى العزل لمدة 118 يومًا متواصلة.
في بداية الأمر، لم يكن هناك مفهوم “حالة اشتباه”، كان أي مصاب يتم عزله في المستشفى، ومع مرور الوقت بدأت المستشفيات الأخرى مثل الحميات تستقبل المرضى وظهرت فئة المشتبه بهم.
كيف أثر العزل الصحي على حياتك الشخصية وعلاقتك بأسرتك؟
بالطبع، تحولت كل أشكال الحياة وتوقفت الأعمال وكذلك السفر، حتى أن وتيرة الحياة قد تغيرت. جلس زوجي في المنزل بعد توقف السفر مع الأولاد، بينما كنت أنا في المستشفى دون خروج ولا حتى رؤية أولادي وزوجي بأي شكل من الأشكال، وهذا على غير العادة، فلم أترك أولادي من قبل. وجد زوجي وأطفالي أنفسهم في وضع غير مألوف، فبينما تجمّعت العائلات خلال فترة العزل، كنت أنا الوحيدة التي انفصلت عن أسرتها.
ما هي أصعب لحظة مررتِ بها خلال فترة العزل؟
الأيام مرت ببطء، وكان أولادي يأتون إلى المستشفى لرؤيتي من بعيد، غير قادرين على الاقتراب بسبب تدابير الأمان، لكن أصعب اللحظات كانت يوم ميلاد ابني الصغير “كريم” العاشر؛ كنت أترقب هذا اليوم، جهزت له زينة وبالونات عند باب المستشفى لأشعره بفرحته رغم بُعدي عنه، لكنه رفض الحضور قائلًا: “لن أكبر سنة إلا عندما تخرجين من مستشفى العزل”. في تلك اللحظة، لم أتمالك نفسي، وبكيت بحرقة.
بعد 118 يومًا، خرجت أخيرًا من العزل. كنت أعتقد أن الحياة ستعود كما كانت، لكنني صُدمت عندما رأيت الناس يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، غير مدركين لخطر الفيروس. كنت الوحيدة التي ما زالت ترتدي الكمامة، وكأنني غريبة في مجتمع اعتاد التعايش مع الوضع.
هل أصيب أحد أفراد عائلتك بفيروس كورونا أثناء فترة عملك في مستشفى العزل أو بعد خروجك؟
بعد شهرين فقط من خروجي، جاءت الصدمة؛ أُصيب والدي بكوفيد-19، وكان هو مصدر العدوى لعائلتي بالكامل؛ اجتمع مع العائلة يوم الجمعة كعادته، وبعد أيام قليلة اكتشفنا أن النتيجة إيجابية، لتتحول الإصابة إلى عدوى جماعية أصابت أكثر من 30 فردًا من العائلة. كانت حالة والدي هي الأصعب، واضطررنا لإدخاله العناية المركزة، بينما قمت بعزل باقي الأفراد في منازل العائلة بالكامل ومتابعة الحالات مع اتخاذ كل الإجراءات المطلوبة والإحترازية.
كيف تمكنتِ من تحقيق التوازن بين عملك كطبيبة ناجحة وحياتك الأسرية؟
أدركت مع مرور الوقت أن الحياة تحتاج إلى ترتيب أولويات، مثلًا، حين يكون هناك امتحانات ودراسة، فالبيت يأتي أولًا، وحين يكون هناك مؤتمر مهم، يصبح العمل هو الأولوية.
ماذا يعني لكِ العمل كطبيبة ومديرة لمركز صحي؟
أنا شخص يعشق عمله، لا أستطيع قضاء يوم دون أن أتحرك وأنجز شيئًا، إذا طُلب مني أن أشغل منصبًا وزاريًا بشرط الجلوس خلف المكتب فقط، سأرفض، لأنني أحب أن أكون وسط العمل، أراقب كل شيء من الألف إلى الياء، وأشرف على أدق التفاصيل.
ما هي رسالتك الأخيرة لكل امرأة تواجه تحديات الحياة؟
لكل امرأة تواجه الصعاب، تذكّري أن داخل كل واحدة منا قصة نجاح لم تُكتب بعد. الحياة ليست وردية، ومررنا جميعًا بلحظات صعبة، لكن المهم هو كيف نتجاوزها. النجاح لا يأتي بسهولة، لكنه لحظة تستحق الانتظار. إذا بذلتِ الجهد، فإن الله لن يخذلك، وسيكون الخير دائمًا في الطريق.