ارتبط مفهوم العمل التطوعى لفترة طويلة فى أذهان المصريين بـ«أعمال الخير»، وعرفت العصور التاريخية المختلفة وجود أشخاص كان يُعهد إليهم القيام بهذه الأعمال، أو تنظيمها وترتيب المشاركين فيها، حتى تبلور معنى «التطوع» بمفهومه الحديث، واتخذ عدة أشكال قانونية، تمثلت فى الجمعيات والاتحادات والنقابات، وغيرها من التنظيمات غير الحكومية.
تقوم الجمعيات الأهلية أو مؤسسات المجتمع المدني كما يطلق عليها، على الجهود التطوعية لجماعة من الأفراد المهتمين بالخدمة العامة يتولون تنظيمها وإدارتها في إطار النظام العام، حيث تلعب هذه الجمعيات دور المساند للدولة بهدف تحقيق المشارکة المجتمعية للارتقاء بشخصية الفرد عن طريق مساعدته في اکتساب المعارف وتطوير أداءه داخل الأسرة والمجتمع، بهدف تعبئة الجهود الفردية والجماعية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم التضامن الاجتماعي والمشارکة المجتمعية.
ولكن هذا التوصيف يبدو مثاليًا، لأن بعض الجمعيات الأهلية انحرفت عن أداء دورها المنوط بها في خدمة الناس لتحقيق مصالح شخصية ضيقة بعيدًا عن هدفها الأساسي ورسالتها السامية.
ووفقًا لإحصائيات وزارة التضامن يبلغ عدد الجميعات الأهلية أو الجمعيات الخيرية أو مؤسسات المجتمع المدني نحو 34 ألف جمعية ومؤسسة، غالبيتها غير معروفة، بل ولا تمتلك مقرات لممارسة نشاطاتها، المفترض أنها «خيرية» منها، وإنما كل ما تملكه شهادة بإشهارها من وزارة التضامن، ولافتة صغيرة معلقة على أحد الجدران تحمل اسمها.
“سيدتي”: هدفنا توعوي بعيدًا عن أي شبهة للتربح
وقالت الكاتبة الصحفية سوزان جعفر، رئيس مجلس أمناء مؤسسة سيدتي للتنمية المستدامة، إن التجربة المصرية رائدة في دعم منظومة العمل الأهلي في ظل قيادة سياسية تؤمن بدور وأهمية المجتمع المدني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث تم إعلان عام 2022 عاماً للمجتمع المدني، وسبق ذلك إصدار القانون رقم 149 لسنة 2019 لتنظيم ممارسة العمل الأهلي، والذي يهدف لإيجاد مجتمع مدني حقيقي كشريك أساسي في دفع عجلة التنمية.
وأشارت جعفر أن مؤسسة سيدتي تهدف إلى تناول القضايا المؤثرة على مؤشرات ومعدلات التنمية وخصائص الأسر الأولى بالرعاية منها مكافحة عمل الأطفال والتسرب من التعليم وزواج الأطفال وتنظيم الأسرة والتمكين الاقتصادي للأسر الأولى بالرعاية وصحة الأم والطفل، بهدف توعية الأسرة والمجتمع بهذه القضايا الحيوية.
وأكدت أنها منذ اليوم الأول كان هدفها توعوي تنموي بعيدًا عن أي أمور تخص التكفل بحالات معينة أو كفالة أيتام أو خلافه، بعيدًا عن وجود شبهة للتربح أو خلافه، لأنها ترى أن التوعية والارتقاء بالإنسان الهدف الأسمى، وذلك وفقًا للمبادرة الرئاسية بداية جديدة.
الجابري: التطوع الحقيقي رسالته “خدمة الناس” وليس التربح
وقالت الدكتورة سمر الجابري، أمين العمل الأهلي في حزب مستقبل وطن بالإسكندرية، إن منظمات المجتمع المدني الحقيقية وذات الرسالة الواضحة تستهدف خدمة المجتمع، وليس تحقيق الربح، إذ يمكن دورها الأساسي في تعزيز التنمية المستدامة، ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، والمساهمة في تحسين جودة الحياة من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، والتوعوية، والاقتصادية.
واضافت ان مجال العمل العام والمجتمع المدني لكن مثل أي مجال، هناك نماذج إيجابية تؤدي دورها بصدق، وأخرى قد تستغل العمل الأهلي لتحقيق مكاسب شخصية، لذلك، من الضروري أن يكون هناك شفافية ورقابة لضمان أن الموارد والمساعدات تصل لمستحقيها، وأن الجهود المبذولة تحقق الأثر المطلوب.
وشددت على أهمية أهمية العمل الأهلي القائم على الاحترافية والشفافية والمصداقية لضمان تحقيق الأهداف التنموية الحقيقية، بعيدًا عن أي استغلال أو مصالح شخصية، مشيرة إلى أن المؤسسة المصرية للتنمية والعلوم الإدارية، التي تترأسها تسعى إلى تقديم مبادرات تنموية تستند إلى أسس علمية وإدارية، بهدف تمكين الأفراد وتعزيز قدراتهم لخدمة المجتمع بفعالية.
سلوى عطية: يجب تنفيذ برامج توعية وتدريب كوادر للتعامل مع ذوي الهمم
وأكدت سلوى عطية، أمين الأشخاص ذوي الإعاقة بحزب مستقبل وطن بالإسكندرية، ورئيس جمعية نرسم الابتسامة، أن الجمعيات الأهلية تستهدف تنمية المجتمع المحلى، باعتبارها الأكثر التصاقاً باحتياجات البسطاء.
وأشارت عطية إلى أن الجمعيات الخاصة بذوي الهمم تستهدف تعزيز الوعي المجتمعي ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تنفيذ برامج التوعية وتدريب كوادر اجتماعية مؤهلة وتدريب أولياء الأمور على التعامل مع أبنائهم من ذوي الهمم.
وأضافت أن «أعمال الخير»، التى يجب أن تقوم بها جمعيات «النفع العام»، فى مختلف المجالات التنموية والخدمية، سواء من تعليم وصحة وثقافة وإسكان ورعاية، تمس احتياجات الفئات الأكثر احتياجاً، ولذلك تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا محوريًا في دعم التنمية المجتمعية وتعزيز التكافل الاجتماعي، حيث تعمل على سد الفجوات بين جهود الدولة واحتياجات المواطنين من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، والبرامج التنموية، والمبادرات الخيرية التي تستهدف الفئات الأكثر احتياجًا.
عفاف العمراوي: الوجاهة الاجتماعية تضغى أحيانا على أصحاب الجمعيات
وقالت عفاف العمراوي رئيس جمعية المتعففين الخيرية بالمنتزه، إن الجمعيات الأهلية تعتبر شريكاً مهماً للأجهزة التنفيذية، فى تنفيذ مشروعات تنمية المجتمعات المحلية.
وأشارت إلى ان الدولة أفسحت المجال أمامها، ووفرت لها مختلف سبل الدعم المادى والحماية القانونية، مما أضفى على العمل الأهلى صبغة «الوجاهة الاجتماعية»، وهى ميزة يسعى بعض القائمين بهذا العمل لاكتسابها، سعياً لتحقيق مصالح خاصة، سواء اقتصادية أو سياسية، كما فتحت فرص التمويل المتاحة لهذه الجمعيات «شهية» بعض القائمين عليها، للتربح والاستيلاء على تلك الأموال، وتحقيق «الثراء السريع»، على حساب أحلام البسطاء من الفقراء ومحدودى الدخل، الذين ينتظرون أن تصل «يد الخير» إليهم.