يعاني المواطنون في شتى أنحاء العالم من التضخم بمستويات لم تُسجل منذ عقود، مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية. وبالتوازي، تعرض الاقتصاد المصري طوال السنوات الثلاث الماضية إلى ضربات وهزات عنيفة، بفعل تداعيات جائحة كورونا ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، شأننا شأن كثير من الاقتصادات العالمية.
تلك الضربات كانت سببًا مباشرًا في زيادة معدلات التضخم في مصر بشكل غير مسبوق، وزيادة في أسعار المنتجات والسلع الاستراتيجية، وخاصة الحبوب، وبالتالي كانت مصر من أكبر المتضررين من الأزمات العالمية، فالدول التي تعتمد على الاستيراد هي التي تدفع الضريبة الأكبر دائمًا. وقد تسارعت وتيرة الزيادات في الأسعار بشكل مبالغ فيه منذ نهاية عام 2022، حيث قفزت أسعار اللحوم والدواجن، كما ارتفعت أسعار السلع الاستراتيجية كالزيت والسكر والأرز بنفس النسب.
ولذلك، يجب أن نتساءل: ما هي الأسباب وراء هذه الزيادات المتواصلة التي يعاني منها المواطن المصري يوميًا؟ الإجابة قطعًا لا يمكن تلخيصها في عدة سطور، لكن من أهم الأسباب هي ظاهرة الاحتكار من قبل بعض المستوردين والشركات، ولعل الأسعار التي تطرحها الحكومة في المنافذ التابعة لها، سواء منافذ وزارة التموين أو الزراعة والداخلية، ومنافذ القوات المسلحة أو في أسواق اليوم الواحد بالإسكندرية، والتي تقل بنسبة كبيرة عن الأسعار المطروحة في السوق، تكشف عن حجم المكاسب الضخمة التي يحققها التجار وشركات الاستيراد الكبرى التي تسيطر على أنواع معينة من السلع.
علاوة على ذلك، هناك ضعف في الرقابة من جهاز حماية المستهلك على هذه الأسعار، نظرًا لوجود الملايين ممن يعملون في قطاع التجزئة دون سلطان أو رقيب. ولذلك، لابد أن يكون هناك رقابة حقيقية لضرب هذه السلسلة المترابطة بين المستورد والوسيط وصاحب المحل، من أجل مراقبة الأسعار في النهاية.
ومع ذلك، ورغم ارتفاع الأسعار في مصر، فإن هذه الزيادات ليست عادلة على الإطلاق وليست لها علاقة بأسعار السلع العالمية. والحكومة دائمًا هي المتهم الأول في ارتفاع الأسعار، لكن هناك دومًا سؤال يلوح بالأفق: هل هناك حكومة تتعمد رفع الأسعار وخفض شعبيتها بين مواطنيها؟ الإجابة بالطبع لا، فكل الحكومات تستهدف رضا الشعب في المقام الأول، ولو كان الأمر بيد الحكومة لم تكن لترفع الأسعار إطلاقًا حفاظًا على شعبيتها. ولكن الأزمة كشفت عن أحد أهم الأسباب، وهو الاستيراد، فالدول التي تستورد أغلب احتياجاتها من الخارج هي الأكثر تضررًا من أي أزمة مالية.
إذن، فإن الحل الجذري للمشكلة يكمن في الاعتماد على الذات وتخفيض فاتورة الاستيراد. العمل هو الحل، والإنتاج هو السبيل للخروج مما نحن فيه. لابد أن ننتج ونصدر أكثر مما نستورد، حتى لا نضع اقتصادنا تحت رحمة ظروف خارجية لا دخل لنا بها ونكون أكثر المتضررين منها. فالإنتاج والتصنيع هو السبيل الأمثل والطريق الأفضل للخروج من عنق الزجاجة لمصرنا الحبيبة، وكما يقول المثل الشعبي الشهير “ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك”.