<< رانيا نسيم وعائلتها.. نموذج للوحدة الوطنية في شهر الخير
<< رانيا نسيم: “مصر طول عمرها كده.. المسلمين والمسيحيين عيلة واحدة”
<< أسرة رانيا نسيم: العطاء ملوش دين ورمضان فرصة لنشر البهجة
كتبت – مهرائيل مجدي
في مصر، لا يقتصر شهر رمضان على الصيام والعبادة فحسب، بل يحمل في طياته روحًا من التراحم والمشاركة والفرح، حيث يجتمع المسلمون والأقباط على مائدة واحدة من المحبة والعطاء. وسط هذه الأجواء الدافئة، برزت قصة رانيا نسيم، السيدة القبطية التي قررت أن تجعل من صناعة الهدايا الرمضانية اليدوية تقليدًا سنويًا، تنشر به السعادة وتُرسّخ قيم المشاركة المجتمعية.
لم تكن البداية سوى قطعة قماش صغيرة تحولت بين يديها إلى فانوس بسيط، لكن الفكرة سرعان ما نمت وأصبحت جزءًا من طقوس العائلة السنوية، بمشاركة زوجها وابنها أندرو، ليقدّموا في كل عام لمسات رمضانية مميزة ينتظرها الجميع. وعلى مدار 15 عامًا، لم تقتصر المبادرة على الهدايا فقط، بل امتدت إلى أعمال الخير والمساعدة، في صورة تعكس أجمل معاني الوحدة الوطنية التي تجمع أبناء مصر بمختلف معتقداتهم.
البداية من قطعة قماش.. حين تحوّل العطاء إلى تقليد سنوي
في أحد أمسيات رمضان، حيث تتلألأ الفوانيس في الشرفات وتصدح المآذن بصوت الأذان، جلست رانيا نسيم وسط قصاصات القماش الملونة، تتابع أصابعها وهي تحوّل تلك القطع الصغيرة إلى فوانيس يدوية تحمل لمسة من روح الشهر الكريم. لم يكن الأمر مجرد هواية أو شغف بالأعمال اليدوية، بل كان بداية لرحلة امتدت لأكثر من 15 عامًا، رحلة جعلت من منزلها مصدرًا للبهجة والمشاركة المجتمعية في رمضان.
تتذكر رانيا تلك اللحظة الأولى، حين قررت أن تصنع بنفسها هدية بسيطة لجيرانها وأصدقائها احتفالًا بالشهر الكريم: “كنت بحب أعمل حاجات بإيدي، لكني حسيت إن رمضان فرصة لأشارك الفرحة مع الآخرين. فكرت ليه منستخدمش بواقي الأقمشة ونصنع منها فوانيس وزينة رمضانية؟ بدأت بحاجة بسيطة، وبعدها لقيت الناس بتفرح وبتسألني كل سنة: ‘السنة دي هتعملوا إيه جديد؟’ فبقى تقليد مستمر في بيتنا.”
لكن الأمر لم يكن مجرد هواية فردية، بل سرعان ما تحوّل إلى طقس عائلي ممتد، حيث أصبح الجميع يشارك في هذه المبادرة، كلٌّ بطريقته الخاصة.
أسرة تتوارث العطاء.. وأندرو يواصل المسيرة
لم يكن أفراد عائلتها مجرد متابعين لهذه العادة، بل أصبحوا جزءًا أساسيًا منها. زوجها كان يصنع شنط رمضان ويوزعها على الأسر المحتاجة، بينما ابنها أندرو، الذي نشأ وسط هذه الأجواء، قرر أن يضيف لمسته الخاصة:
“أولادي كبروا وهم شايفين إن رمضان مش بس عبادات، لكنه كمان مشاركة وفرحة. زوجي بيعمل شنط رمضان ويوزعها، وأندرو بدأ يضيف لمسته الخاصة على المبادرة.”
وكما كانت البداية بفكرة صغيرة تحولت إلى عادة سنوية، وجد أندرو شغفه في مساعدة الآخرين، لكنه اختار طريقًا مختلفًا هذا العام، إذ قرر أن يساعد المكفوفين في الوصول إلى المسجد خلال صلاة التراويح. تقول والدته بفخر:
“هو حس إن المبادرة مش بس هدايا، لكن كمان فعل خير حقيقي يغير حياة الناس.”
هدايا رمضان.. لمسات بسيطة بروح العطاء
على مدار السنوات، لم تتوقف رانيا نسيم عن الإبداع، ففي كل عام تسعى لتقديم شيء جديد يحمل طابعًا رمضانيًا، ولكن بروح يدوية أصيلة. عن طبيعة هذه الهدايا، تقول مبتسمة: “إحنا كل سنة بنحاول نقدم حاجة جديدة، بس الأساس عندنا هو إن كل حاجة تكون هاند ميد وتحمل طابع رمضاني، السنة اللي فاتت عملنا فوانيس من بقايا القماش وصناديق الرنجة، وكمان عربيات فول وقطايف مصنوعة يدويًا من القماش وزجاجات المياه. السنة دي بنوزع بلح وكارت معاهم فانوس مصنوع من الخرز، وبنحاول دايمًا نقدم حاجة مميزة.”
لكن بالنسبة لها، الأمر ليس مجرد توزيع هدايا، بل هو رسالة حب ومحبة، وتجربة تُعيد للأشياء معناها الحقيقي بعيدًا عن الطابع التجاري الذي يطغى على مظاهر الاحتفال في العصر الحديث: “إحنا مش بس بنوزع حاجات، إحنا عايزين نفرّح الناس بلمسة بسيطة، نخليهم يحسوا بجو رمضان الحقيقي.”
انتظار الفرحة.. كيف أصبحت الهدايا تقليدًا ينتظره الناس؟
لم تكن هذه المبادرة مجرد فعل عابر، بل تحوّلت إلى عادة رمضانية ينتظرها الجميع. تقول رانيا عن تفاعل الناس:
“الموضوع بقى جزء من حياتهم، فيه ناس بقت بتستنانا كل سنة، وده شيء بيسعدني جدًا، الأطفال والكبار بيفرحوا بالهدايا البسيطة، وده اللي بيحمّسنا إننا نكمل كل سنة بفكرة جديدة.”
الأمر لم يقتصر فقط على جيرانها وأصدقائها، بل امتد ليشمل غرباء كانوا يلتقون بها صدفةً ثم يحرصون لاحقًا على الحصول على تلك الهدايا الرمضانية المميزة، وكأنها جزء لا يتجزأ من طقوسهم الرمضانية.
الوحدة الوطنية في أبهى صورها.. رمضان يجمعنا جميعًا
في مصر، يبقى رمضان مناسبة تتجلى فيها أروع صور المحبة والتلاحم بين المسلمين والأقباط، حيث يشارك الجميع في الاحتفال به كلٌ بطريقته الخاصة. تقول رانيا وهي تتحدث عن هذه الروح التي تملأ قلوب المصريين:
“مصر طول عمرها كده، المسلمين والمسيحيين عيلة واحدة، بنفرح لبعض وبنشارك بعض في كل المناسبات. رمضان بيجمعنا، والمهم إننا نفضل نحافظ على روح المحبة دي في كل وقت.”
لم يكن غريبًا أن تمتد هذه المبادرة من أسرة قبطية تحتفل برمضان بطريقتها الخاصة، فالبيوت المصرية جميعها، بغض النظر عن ديانتها، تتشارك نفس القيم من العطاء، والتراحم، والفرح.
عائلة تصنع البهجة.. ورسالة تمتد للأجيال القادمة
منذ 15 عامًا، لم تكن رانيا نسيم تتخيل أن قطعة قماش صغيرة ستصبح شرارة لعادة رمضانية تنتشر عامًا بعد عام. لكنها اليوم، وهي ترى فرحة الآخرين بما تصنعه يداها، تدرك أن المبادرة كانت أكبر من مجرد هدايا، كانت رسالة محبة وعطاء توارثتها الأجيال.
تختم حديثها قائلة: “العطاء ملوش دين، والفرحة بسيطة جدًا، ممكن تبدأ من قطعة قماش صغيرة وتوصل لقلوب ناس كتير. وده اللي بنتعلمه كل سنة من رمضان.”
وهكذا، تواصل هذه الأسرة القبطية تقديم نموذج مضيء للوحدة الوطنية، حيث لا تفرّق المناسبات بين أبناء الوطن، بل تجمعهم بروح من المحبة، ليبقى رمضان دائمًا شهر الخير، والعطاء، والفرحة التي تتسع للجميع.