استمعت محكمة جنايات الإسكندرية، برئاسة المستشار محمود عيسي سراج الدين، في ثاني جلسات محاكمة المتهم المعروف إعلاميًا بـ”سفاح المعمورة”، إلى أقوال الشهود بشأن الواقعة، بحضور أعضاء هيئة المحكمة كل من المستشار تامر ثروت شاهين، المستشار محمد لبيب دميس، المستشار عبد العاطي إبراهيم صالح، وسكرتير المحكمة حسن محمد حسن.
ظهر المتهم “ن.ا.ال”، وهو محامي يبلغ من العمر 52 عامًا، خلال الجلسة مرتديًا نظارة طبية وممسكًا بمصحف، وبدى متزنًا، حيث نفى جميع الاتهامات الموجهة إليه.
من جانبه، أدلى شاهد التحقيقات، حسين أفندي، رئيس مباحث منتزه ثان، بأقواله أمام المحكمة، مبينًا أن القسم تلقى بلاغًا من أحد الأهالي يدعى “إسلام أ.ذ” يفيد بوجود سيدات محتجزات داخل إحدى الشقق بالطابق الأرضي بشارع المعمورة وحدوث شجار داخل الشقة. وعند محاولة دخول الشقة، شك في المتهم واكتشف غرفة مفتوحة تحتوي على حفرة.
وأوضح رئيس المباحث أنه تم القبض على المتهم داخل الشقة بحضور كل من “ن.ص”، “ع.م”، “ث.”، و”إ.ذ”. وبعد تفتيش الغرفة المضاءة التي كانت موضوع البلاغ، عُثر على حفرة استخدمت لدفن جثتين، وتم إخطار النيابة العامة فورًا. كما عُثر على بطاقة تحمل اسم المجني عليها الثانية “تركية” داخل الشقة، فيما أكد المتهم أن السيدة “منى” زوجته، وتم التحفظ على الجثتين داخل الشقة حتى وصول النيابة.
وأضاف الشاهد أن النيابة قامت بتنسيق التحريات بين قسم المنتزه أول ومنتزه ثان، إذ عُثر على جثة “محمد إبراهيم” في منطقة المنتزه أول. وكشفت التحريات وجود خلافات بين المتهم وزوجته منى فوزي سليمان، حيث قام المتهم بضربها وخنقها حتى الموت بعد نشوب خلافات بينهما. وأشار إلى أن المتهم أعد صندوقًا خشبيًا لنقل الجثة، مما يدل على سبق الإصرار في ارتكاب الجريمة.
أما عن الضحية “تركية عبد العزيز محمد”، أوضح رئيس المباحث أن المتهم، وهو محامي، كان له خلافات مالية معها، حيث استدرجها إلى مسكنه الذي كان يستخدمه كمكتب لاستضافة الموكلين، وقتلها عمدًا بهدف السرقة، وسرق هاتفها المحمول وبطاقة الفيزا الخاصة بها، كما استعان بإحدى السيدات المضبوطات لسحب الأموال.
وحول الضحية “محمد إبراهيم”، أشار رئيس المباحث إلى وجود خلافات مالية بينه وبين المتهم، الذي سرق سيارته واستخدم بطاقة الفيزا الخاصة به لسحب أموال، ثم قتله بغرض السرقة. وتم نقل جثته إلى مخزن عبر صندوق خشبي وضع على دراجة “تورسيكل” بعد معاينة النيابة لشقة الواقعة في ميامي الجديدة.
من جانبه، رفض المتهم هذه الأقوال، معقبًا بأن نقل صندوق الجثة من الطابق الثالث إلى “التورسيكل” أمر غير معقول، وادعى أن اعترافاته أمام النيابة أجبر على الإدلاء.
وفي الجلسة، استمعت هيئة المحكمة إلى شهادة سمر محمد إبراهيم، نجلة الضحية الثالثة محمد إبراهيم، حيث سردت تفاصيل الواقعة قائلة: “في يوم 27 فبراير، أخبرني والدي عن محامي تعرّف عليه، حيث كان يواجه مشاكل مع جيرانه في منزل يملكه، وأكد له المحامي أنه سينهي هذه الخلافات وسيجد له مشتريًا للمنزل والشقة. اقتنعت ببيع المنزل بعدما أكد لي والدي أن المحامي قال له إن المبلغ المعروض مرتفع بسبب موقع المنزل. بعدها غادر والدي منزلي وذهب إلى عمتّي، ثم تلقى مكالمة من المحامي يخبره فيها أنه جلب مشتريًا ويدعوه للمكتب.”
وأضافت: “اتصلت بوالدي عدة مرات على مدار ثلاثة أيام، لكن الهاتف كان يرن دون رد، حتى وصلتني رسالة منه تفيد بأنه باع السيارة والمنزل وتزوج أجنبية وسافر. فوجئت بهذه الرسالة وسألته، فرد قائلاً: ‘دعيني أعيش أيامي’. ثم تواصل معي مرة أخرى وأكد أنه باع السيارة والمنزل وسافر، وسلم تحياته لي ولزوجي ولعائلتي، وذكر زوج عمتّي رغم أنه توفي قبل أربع سنوات من تاريخ المكالمة. لم أتمالك نفسي، فحاول زوجي الاتصال به، لكنه كرر عبارة ‘خذ المحامي’ قبل أن يُقطع الخط.”
واستكملت: “في نفس اليوم، قابل زوجي المحامي برفقة زوج عمتّي وابن عمتّي وأشقائه في مقهى، وحاول المحامي تقديم رواية مختلفة لما حدث رغم إصابته في رأسه. توجهوا به إلى قسم شرطة المنتزه أول، حيث ادعى المحامي أنه تعرض للخطف، لكن زوجي أوضح للضابط الحقيقة، الذي بدوره أحال القضية إلى قسم الرمل. هناك، أنكر المحامي معرفته بمكان والدي، وادعى أنه باع المنزل والسيارة وأخذ عمولته، وزعم أن والدي يهرب من أهله ولا يريد أن يعرف عنه أحد.”
وأشارت إلى أن الضباط طلبوا من المحامي صورة عقد الزواج وعقد بيع المنزل، لكنه قال إن والدي هو من أحضر العروس والمشتري. بناءً على ذلك، احتجز المحامي، ولكن بعد التحقيق تم الإفراج عنه لعدم وجود دليل ضده. حاولوا تقديم بلاغات عدة في الأقسام، إلا أن التحقيقات لم تجرِ، فتم استخراج تأشيرة من النيابة لتقديم بلاغ رسمي في 17 مارس 2022، بعد حوالي 20 يومًا من الواقعة. حتى ذلك الحين، تواصل المحامي مع الأسرة مدعيًا عدم معرفته بالحادث.
وكانت النيابة العامة قد أحالت المتهم، المحبوس على ذمة القضية، إلى محكمة الجنايات المختصة بتهم قتل عمد مع سبق الإصرار لثلاثة أشخاص، بينهم زوجته وموكلين له، بالإضافة إلى اتهامه بخطف ضحيتين باستخدام التحايل والإكراه بقصد تسهيل ارتكاب جرائم سرقة.
وكشفت التحقيقات أن المتهم قتل موكله الأول طعنًا بعد استدراجه وخداعه، وسرق منه أموالًا وممتلكات، ودفن جثته داخل غرفة بشقة مستأجرة، كما قتل زوجته خنقًا خوفًا من افتضاح أمره، ودفنها في شقة أخرى، إضافة إلى قتله موكلته الثالثة طعنًا بعد خلافات مالية، وسرقة أموالها ومنقولاتها ودفن جثتها.
وأكدت النيابة صحة الواقعة استنادًا إلى اعترافات المتهم، وتحريات الشرطة، وتقارير الطب الشرعي، بالإضافة إلى معاينة أماكن دفن الجثامين.