أصبحت “السوشيال ميديا” تمثل تهديدًا حقيقيًا لمهنة الصحافة، ليس فقط لأنها الأسرع في نقل المعلومات أو الأكثر تواصلاً مع المواطنين، بل لأنها أصبحت تؤثر بشكل كبير في توجيه الرأي العام، وأحيانًا تؤثر في الصحفيين أنفسهم.
في الحقيقة، أصبحت بعض المواقع الإخبارية وصفحاتها على شبكة التواصل الاجتماعي تستمد معلوماتها من صفحات السوشيال ميديا، مما يساعد في توجيه الرأي العام، سواء كان ذلك بشكل صحيح أو خاطئ. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية على مهنة الصحافة.
قبل انتشار السوشيال ميديا بهذا الشكل الواسع في جميع مناحي الحياة، كانت وسائل الإعلام تستمد معلوماتها من المصادر الرسمية أو من مصادر موثوقة، مثل شهود العيان في مكان الحادث أو أفراد الأسرة، وكانت هذه المعلومات دائمًا تُنسب إلى مصادرها الأساسية.
ولكن في الوقت الحالي، ومع سرعة انتشار المعلومات عبر السوشيال ميديا، أصبحت بعض المواقع الإخبارية وصفحاتها تعتمد بشكل متزايد على صفحات مثل فيسبوك كمصدر للمعلومات، دون التأكد من صحتها، وبالتالي توجه الرأي العام بناءً على ما يتم تداوله على هذه الصفحات.
والمشكلة الأكبر تكمن في أن هناك العديد من الصفحات الموجهة على السوشيال ميديا، التي تسعى إلى إثارة البلبلة في الشارع المصري ونشر الفوضى.
في هذا السياق، يمكننا أن نتناول قضية الطالبة التي انتشرت قصة وفاتها إثر سقوطها من طابق مرتفع في الإسكندرية كمثال حي، حيث نشرت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي معلومات متضاربة استندت إلى روايات متداولة من دون مصادر معلومة، ومن بين تلك الروايات من زعم أن الفتاة أقدمت على إلقاء نفسها من شرفة منزلها بسبب تنمر زميلاتها على مظهرها، بينما زعم آخرون أنها أنهت حياتها بسبب عدم دفع مصاريف الدراسة، مما دفع الكثيرين للتعاطف معها بناءً على هذه الروايات.
وعلى إثر ذلك قامت بعض المواقع الإخبارية الكبرى بنقل هذه القصة عن صفحات السوشيال ميديا، دون أي تدقيق أو تحقق من صحتها. وفي وقت لاحق، انتشرت العديد من الروايات عبر السوشيال ميديا حول الطالبة، دون مراعاة لمشاعر أسرتها المكلومة.
للأسف، ساهمت بعض هذه المواقع في الترويج لما تم نشره على صفحات السوشيال ميديا، مما دفع المدرسة المعنية إلى توضيح الموقف مرارًا عبر البرامج التلفزيونية الكبرى، محاولين وقف نشر الأكاذيب حول الطالبة.
كما خرجت النيابة العامة لتكشف عن تفاصيل التحقيق، وتنفي تمامًا ما تردد حول أن الحادثة كانت نتيجة للتنمر، موضحة أن وفاتها كانت لأسباب أخرى، كما توعدت النيابة بالتحقيق مع الصفحات والمواقع التي نشرت الأخبار الكاذبة حول الحادث.
من هنا تأتي الدروس المستفادة من هذه القضية: أولاً، ليس كل ما يتم نشره على صفحات السوشيال ميديا صحيحًا، فهناك بعض الصفحات الموجهة التي تعيد نشر حوادث قديمة بتوقيتات معينة بهدف إثارة البلبلة في الشارع. ولحسن الحظ، تقوم وزارة الداخلية عادةً بالكشف عن هذه الادعاءات وتصحيح الحقائق.
ثانيًا، يجب في مثل هذه القضايا التي تمس الأسر مراعاة مشاعرهم بشكل أكبر، على الأقل بعدم الترويج للروايات التي يتم تداولها على صفحات السوشيال ميديا، إلا بعد التحقق الدقيق من صحتها.
وأخيرًا، هناك تحديات كبيرة تواجه مهنة الصحافة في عصر السوشيال ميديا، وأبرز هذه التحديات هي الحفاظ على المهنية والمصداقية في نشر الأخبار، في ظل وجود صفحات السوشيال ميديا التي تروج لمعلومات غير صحيحة.