بيشوي ادور
تعتبر محافظة الإسكندرية بحق واحدة من أبرز المدن المصرية التي تحتفظ بتاريخها العريق وثقافتها الغنية. ففي قلب المدينة، تحديدا في منطقة بحري، حيث تتواجد العديد من المعالم السياحية والتاريخية المميزة، تبرز مقاهٍ قديمة ذات طابع فخم يعكس ذوق تلك الحقبة الزمنية، من بين هذه المقاهي، يوجد واحد يقع بالقرب من قلعة قايتباي، والذي يحمل اسم الملك فاروق الأول.
هذا المقهى ليس مجرد مكان للجلوس والاستمتاع بمشروب دافئ، بل هو كأنك تدخل إلى قطعة من التاريخ، حيث تصطف على جدرانه صور فوتوغرافية قديمة تظهر جوانب مختلفة من حياة الملك فاروق، بدءًا من لحظاته في الحكم وصولاً إلى حياته الشخصية، عند دخولك إلى المكان، يمكنك أن تشعر وكأنك قد انتقلت إلى زمن آخر، إلى أيام كانت فيها الإسكندرية ملاذًا للمثقفين والفنانين والسياسيين، وتفوح منها رائحة التاريخ والتقاليد.
المقهى ليس مجرد مكان للراحة، بل هو تجربة حية تعكس فترة من الزمن كانت الإسكندرية فيها مدينة عالمية تتميز بجوها الثقافي والحضاري، حيث شهدت العديد من الأحداث واللقاءات بين الشخصيات الشهيرة، ويظل هذا المقهى، حتى اليوم، شاهدًا على تلك الحقبة، يتذكر من خلالها الزوار حكايات الماضي، ويقدم لهم فرصة فريدة للاستمتاع بمزيج من الفخامة والتاريخ.
ويقول طارق همام أحد أبناء صاحب قهوة فاروق اسم المقهي يرتبط باسم الملك فاروق بسبب زيارته لها، حيث بعد افتتاح المقهى عام 1928 تحت اسم يوناني هو كاليميرا الذي يعني صباح الخير بعد تنصيب فاروق ملكًا على مصر، أثناء مرور موكبه في منطقة رأس التين، اقتربت منه ابنة صاحب المقهى، وهي فتاة ذات ملامح أوروبية جذابة. وعلى الرغم من اعتراض الحرس عليها، سقطت على الأرض لتلفت انتباه الملك. أمر الملك حرسه بالسماح لها بالاقتراب، حيث فوجئ بأنها جاءت للتعبير عن إعجابها به. وقدمت له تحيتها ودعوة لزيارة المقهى، والتي لبّاها الملك بكل سرور.
وتابع أنه توجه إلى المقهى حيث استمتع بتناول الشاي، ثم قدّم هدية للفتاة ماري تقديرًا لحسن ضيافتها. قامت ماري بعد ذلك بصنع تيجان من النحاس منقوش عليها اسم الملك فاروق، وزينت بها أبواب المقهى إضافةً لذلك، قامت بتغيير اسم المقهى ليصبح مقهى الملك فاروق، الذي لا يزال يحمل هذا الاسم حتى يومنا هذا، رغم التغيرات التي طرأت على ملكيته.
أشار إلى أنه عند دخولك إلى المقهى، ستجد مجموعة من التفاصيل التاريخية التي تحكي كل منها عن تأثير الملك فاروق على روح وجو المقهى. لقد أُطلق عليه اسم يعبّر عن محتواه، حيث تزينت الجدران بصور لتاجه الملكي، بالإضافة إلى عدد كبير من الصور الشخصية له مع زوجته وأفراد العائلة الملكية. كما تضم المقهى صوراً توثّق لحظات له وهو يجلس في ذات المكان
واكد أن من أبرز معالم المقهى منصة عتيقة تحمل اسم الملك فاروق، مزينة بلافتة ذهبية فاخرة، تقع في الزاوية التي كان يفضل الملك الجلوس فيها قائلاً: «كان الملك فاروق يفضل التوجه إلى القهوة في الصباح للاستمتاع بفنجان من القهوة التركية و أن حجر الشيشة الطومباك الذي كان مفضلًا للملك، والذي لا يزال نحتفظ به حتى الآن و كان يفضل جلوسه وحيدًا في ركن المنصة الذي تم إنشاؤه خصيصًا من أجله» .
أشار علي إلى أنه على الرغم من مرور العديد من السنوات منذ رحيل الملك، فإن مقهى فاروق أصبح واحداً من أبرز المقاهي الشعبية في مدينة الإسكندرية، المعروفة بلقب عروس البحر المتوسط و قد تحولت قهوة فاروق إلى رمز يُعبر عن صوت الإسكندرانية، حيث لا تزال تحتفظ بذكريات غنية وتفاصيل كثيرة تتعلق بفترة الملكية في مصر.
عن زيارة الملك أحمد فؤاد الثاني، ملك مصر والسودان السابق، وابنه الأمير محمد علي، والوفد المرافق له، تحدث همام أنها جاءت بعد ثلاثة أيام من زيارته إلى الإسكندرية. وقد اختتم هذه الزيارة في المقهى يوم 24 أبريل 2024 من العام الماضي مضيفاً أن هذه الزيارة كانت بعد رحيلهم من الإسكندرية على يخت المحروسة في 26 يوليو 1952، عقب قيام الثورة لافتاً أنه زار المقهى وقام بالتقاط صور تذكارية داخله، حيث أعرب عن سعادته لرؤية صور والده المُعَلّقة على الجدران واحتفاظه باسمه عليها حتى اليوم.