كتبت – أميرة سلامة
يظل اسم فاروق الفيشاوي واحدًا من العلامات البارزة في تاريخ الفن المصري والعربي، حيث استطاع أن يحجز لنفسه مكانة مميزة في قلوب الجماهير بأعماله التي تنوعت بين السينما والتلفزيون والمسرح. وُلِد الفيشاوي في 5 فبراير 1952 بمحافظة المنوفية، ليبدأ رحلة فنية استمرت لعقود، قدّم خلالها أكثر من 130 عملًا تركت بصمة خالدة.
طفولة وشغف بالفن
نشأ فاروق الفيشاوي في أسرة ميسورة الحال بقرية سرس الليان، وكان الأصغر بين إخوته الخمسة. فقد والده في سن الحادية عشرة، فتولى شقيقه الأكبر رعايته. رغم دراسته الأكاديمية وحصوله على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس ثم البكالوريوس في الطب العام، إلا أن شغفه الحقيقي كان بالفن، ما دفعه للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، حيث أثبت موهبته منذ اللحظة الأولى.
الانطلاقة نحو النجومية
بدأت مسيرته الفنية بالظهور في عدد من الأعمال التلفزيونية، إلا أن مشاركته في مسلسل أبنائي الأعزاء.. شكرًا مع عبد المنعم مدبولي لفتت الأنظار إليه. جاءت نقطة التحول الكبرى في مشواره عندما شارك في فيلم المشبوه عام 1981 إلى جانب عادل إمام، حيث فتح له هذا العمل أبواب الشهرة والنجاح، ليتحول إلى واحد من أبرز نجوم السينما في الثمانينيات والتسعينيات.
أعمال خالدة في السينما والتلفزيون والمسرح
تنوعت أدوار الفيشاوي بين الأكشن والدراما والرومانسية، ومن أبرز أفلامه: القاتلة، الطوفان، الرصيف، لا تسألني من أنا، سري للغاية، حنفي الأبهة، فتاة من إسرائيل، الفضيحة، ديك البرابر، نساء خلف القضبان، قهوة المواردي، والمرأة الحديدية.
أما في الدراما التلفزيونية، فقدّم أعمالًا متميزة مثل: ليلة القبض على فاطمة، غوايش، علي الزيبق، أبناء العطش، حافة الهاوية، مخلوق اسمه المرأة، رجال في المصيدة، عصفور في القفص، أولاد آدم.
كما كان له حضور قوي على خشبة المسرح، حيث شارك في أعمال بارزة مثل الملك لير مع يحيى الفخراني، الأيدي الناعمة، شباب امرأة، طائر البحر، ولاد ريا وسكينة، بداية ونهاية، الناس اللي في الثالث.
أحلام لم تكتمل
كان الفيشاوي يحمل حلمًا لم يتحقق، وهو تجسيد شخصية المطران السوري هيلاريون كابوتشي، إذ كان يرى أن تقديم هذه الشخصية سيكون بمثابة رد على ادعاءات الغرب تجاه العرب. كما أوصى بتنفيذ العمل حتى لو لم يتمكن هو من تقديمه.
حياة شخصية حافلة بالزيجات
تزوّج الفيشاوي ثلاث مرات، حيث كانت زيجته الأولى من الفنانة سمية الألفي، والتي استمرت 16 عامًا وأسفرت عن ابنيه أحمد وعمر. وبعد انفصالهما، تزوّج من الفنانة سهير رمزي لمدة خمس سنوات، ثم ارتبط بسيدة من خارج الوسط الفني تُدعى نوران منصور، قبل أن ينفصلا عام 1998.
رحلة مرض شجاعة ووفاة مؤثرة
في أكتوبر 2018، أعلن الفيشاوي إصابته بمرض السرطان خلال تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي، مؤكدًا أنه سيتعامل مع المرض كـ”صداع” وسيهزمه بإرادته القوية. إلا أن المرض تمكن منه سريعًا، ودخل في غيبوبة كبدية قبل أن يُعلن عن وفاته فجر يوم 25 يوليو 2019، عن عمر ناهز 67 عامًا.
كلماته الأخيرة عن المرض والموت
في أحد لقاءاته التلفزيونية مع منى الشاذلي، تحدث الفيشاوي عن فلسفته تجاه المرض والموت قائلًا:
“من لم يمت بالسرطان مات بغيره.. من لم يمت بالقلب مات بغيره.. الموت علينا حق، المهم أن يبقى الإنسان قويًا ومؤمنًا بالأمل، فالشفاء ممكن، والأهم هو ألا نستسلم للمرض.”
جدل حول زيارة قبره
رغم العلاقة القوية التي جمعت الفيشاوي بابنه أحمد الفيشاوي، إلا أن الأخير صرّح خلال لقائه مع الإعلامي نزار الفارس بأنه لم يزر قبر والده مطلقًا، مبررًا ذلك بقوله:
“أنا أقرأ له الفاتحة من أي مكان في العالم، ولا أحتاج إلى زيارة القبر لأشعر بوجوده.. انتظر لقائه يومًا ما حين يحين أجلي.”
إرث فني خالد
رحل فاروق الفيشاوي بجسده، لكنه ترك وراءه إرثًا فنيًا غنيًا سيظل خالدًا في ذاكرة السينما المصرية والعربية، فهو الحاوي الذي استطاع أن يمتع جمهوره بموهبته الفذة، وأعماله ستظل شاهدة على مشواره الحافل بالعطاء والإبداع.