<< مارمرقس في قلب الإسكندرية: سيرة رسالية وتاريخ لا يُنسى
كتبت – مهرائيل مجدي
في الثامن من مايو من كل عام، الموافق 30 برمودة بالتقويم القبطي، تُحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ذكرى استشهاد القديس مارمرقس الرسول، كاروز الديار المصرية ومؤسس الكنيسة القبطية، وأول من أنار أرض مصر برسالة المسيحية. وتُعد هذه المناسبة فرصة متجددة للتأمل في تاريخه العظيم، ودوره المحوري في ترسيخ جذور الإيمان المسيحي في واحدة من أقدم الحواضر الثقافية في العالم: مدينة الإسكندرية.
مارمرقس.. من التلمذة إلى الكرازة
مارمرقس، المعروف أيضًا بيوحنا مرقس، كان من أوائل الذين تبعوا السيد المسيح. وُلد في ليبيا وتعلّم على يد بطرس الرسول، الذي أشار إليه في إحدى رسائله بـ”مرقس ابني”. سافر مارمرقس مع بولس وبرنابا في رحلات تبشيرية، قبل أن يُكلف بمهمة عظيمة: التوجه إلى مصر، حيث كان له النصيب الأكبر في تأسيس الكنيسة القبطية، أقدم كنيسة في إفريقيا.
الإسكندرية… أول الطريق وآخره
وصل مارمرقس إلى الإسكندرية في وقت كانت فيه المدينة مركزًا للفكر والفلسفة والديانات المتعددة. بدأ خدمته بكلمات بسيطة ومواقف إنسانية، منها معجزة شفاء صانع الأحذية أنيانوس، الذي أصبح فيما بعد أول أسقف يخلفه. ومن هناك، بدأت نواة الكنيسة الأولى، وسط تحديات كبرى من السلطات الوثنية.
شهادة الدم في سبيل الإيمان
في عام 68 ميلادية، تعرّض مارمرقس للهجوم من قِبَل بعض الوثنيين أثناء احتفالهم بعيد الإله سيرابيس، حيث اتهموه بإهانة ديانتهم. سُحب في شوارع المدينة بالحبال حتى استُشهد. وبذلك، كتب بدمائه أول سطور الشهادة المسيحية على أرض مصر.
المعالم التي تُخلد اسمه
الكنيسة المرقسية الكبرى: تقع في شارع النبي دانيال بالإسكندرية، وتُعد واحدة من أقدم كنائس العالم. تضم رفات القديس بعد عودته من إيطاليا عام 1968، في ذكرى مرور 1900 سنة على استشهاده. وهي اليوم مركز ديني وثقافي وروحي، يقصده آلاف الزوار من داخل مصر وخارجها.
مستشفى مارمرقس بسيدي بشر: تُعد من أبرز المؤسسات الخدمية المسيحية في الإسكندرية، تقدم خدماتها للجميع دون تمييز، وتُجسد جوهر الرسالة التي حملها مارمرقس: الإيمان المرتبط بالفعل والخدمة.
المدارس والجمعيات الخيرية: تحمل العديد من المدارس والجمعيات الخيرية اسمه، تخليدًا لذكراه وتأكيدًا على استمرارية عطائه.
أثره في الهوية القبطية
يُعتبر مارمرقس أحد الركائز الأساسية في تكوين الهوية القبطية، ليس فقط على الصعيد الديني، بل أيضًا في الجانب الثقافي والوطني. فقد غرس في الكنيسة القبطية مبادئ الاستقلال العقائدي والارتباط العميق بالوطن، ما جعل من الكنيسة المصرية كيانًا قائمًا بذاته، محافظًا على تراثه الفريد رغم كل التحديات.
في ذكرى استشهاده، يتجدد العهد بالسير على خطاه، مستلهمين من سيرته دروسًا في الإيمان والتضحية والعمل من أجل الخير العام.