<< من الشية إلى المعمول.. موائد عيد الأضحى في مصر تجمع نكهات السودان وسوريا
كتبت – ملك نورالدين
تهلّ علينا المناسبات الدينية الفاضلة، ليصل كلٌّ منّا رحمه، ويستر بيته، ويُدخل على أهله السرور والسعادة. تأتي هذه الأيام محمّلةً بالعطاء والوفاء بين مختلف الأطياف والشعوب.
وفي مثل هذه الأيام من عام 2025، تبدو أجواء وفعاليات المناسبات الدينية أكثر قيمةً للأمة العربية جمعاء، حيث يعلو صوت التآخي والمودة والسلام، وتتأصّل القضايا الإنسانية يومًا بعد يوم؛ وعلى رأسها الحق في السلام والأمان والحياة الكريمة، مستوفيةً كل الحقوق الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية. وتنبُت القوة حين ينبت الأمان، وتزدهر الحياة حين يسود السلام.
وبحسب إعلان مفوضية اللاجئين في مصر، فقد بلغ عدد اللاجئين السودانيين الذين دخلوا البلاد منذ بداية النزاع في 15 أبريل 2023 نحو مليون و200 ألف شخص، وفقًا للتقارير الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية.
أما عن اللاجئين السوريين في الإسكندرية، فقد تنوّعت أنشطتهم بين التجارة، وصناعة المنسوجات، والطعام، والتعليم، والرياضة، ويبلغ عددهم نحو 21 ألفًا مسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بحسب تقديرات عام 2024.
وعمومًا، تستضيف مصر أكثر من 914 ألف لاجئ وطالب لجوء من 61 جنسية مختلفة. ورغم كل التحديات، لا تزال ملامح الكرم والعطاء واضحة على المستويين المادي والمعنوي، وتتجلى في مشاركة الجميع باحتفالات عيد الأضحى وغيرها من المناسبات الدينية العظيمة.
عادات السودانيين في عيد الأضحى
فيّ، مواطنة سودانية تعيش في الإسكندرية، تقول: “عيد الأضحى من أجمل المناسبات بالنسبة لي، وتفاصيله ممتعة للغاية. لكل مكان بهجته الخاصة والمميزة. أحرص دائمًا على أداء صلاة العيد، وأجواؤها هنا في الإسكندرية رائعة. وتتشابه تفاصيل عيد الأضحى في مصر إلى حد كبير مع السودان، لذا أشعر بفرحته وأستمتع به.”
وتتابع: “في السودان، من عاداتنا أن نتجمع في بيت الجد أو الجدة أول أيام العيد بعد الصلاة. ومن أشهر المساجد في الخرطوم مسجد النيّلين. بعد الصلاة، يذبح الجميع أضحياتهم في البيت الكبير، ثم نتناول الطعام ونبدأ الزيارات العائلية، بدءًا بكبار السن ثم الأقارب والأصدقاء. نتفق في العائلة على استضافة بعضنا البعض خلال أيام العيد، لنستكمل الفرحة وندخل البهجة إلى بيوتنا.”
وتضيف: “أكثر أيام العيد بهجة هو اليوم الأول؛ فبعد الذبح، نبدأ في إعداد أطباقنا التقليدية، مثل الشية ولحمة الصاج. رائحة التوابل واللحم الطازج تعبق في كل بيت. تُحضَّر أطباق تراثية تعبّر عن التقاليد المتوارثة، منها: الشية السودانية (اللحم المشوي): تُقطّع اللحوم من الكتف أو الضلوع، تُتبّل بالثوم والبصل والفلفل الأسود والكزبرة الجافة، وتُشوى على الفحم حتى يصبح لونها ذهبيًا داكنًا.
- لحمة الصاج: تُطهى على صاج ساخن دون ماء، مع خليط من البهارات والثوم والزنجبيل، وتُقدَّم مع الخبز أو العصيدة.
- الفتة السودانية: تُحضَّر من الأرز الأبيض أو الخبز المكسّر، وتُسكب عليها مرقة اللحم وتُزيَّن بقطع اللحم أو الكبدة.
- التقلية: مرق غني باللحم والصلصة والويكة، ويُقدَّم مع العصيدة.
- الكمونية: طبق يُطهى من أحشاء الخروف، يُتبّل بالبصل والبهارات والصلصة الحارة.
- المديدة وعصير الليمون الحار: مشروبات تقليدية تُقدَّم لتقوية الجسم وزيادة نكهة الأطعمة.”
وتختم حديثها: “في الإسكندرية، أحرص على أداء صلاة العيد مع أسرتي، ثم نخرج للتنزه ونتناول الغداء في أحد المطاعم. أحيانًا نسافر إلى القاهرة لزيارة أقاربنا هناك. أما أصدقائي، فهم شركائي في فرحة العيد هنا؛ نجتمع ثاني أيام العيد للمشي على الكورنيش وتناول الطعام. ورغم كل هذا، يبقى التجمع العائلي، وإعداد الطعام جماعيًّا، والحكايات، هي ما أفتقده دومًا.”
عادات السوريين في عيد الأضحى
رُهى، مواطنة سورية تعيش في الإسكندرية، تقول: “الأعياد من أقرب المناسبات إلى قلبي، وأكثر ما أودّ أخذه معي من مصر إلى سوريا هو بهجة المصريين بالعيد – سواء الفطر أو الأضحى – واحتفالاتهم برمضان. تزيين الشوارع، توزيع الحلويات بعد الصلاة… كل ذلك يملأ القلب سعادة.”
وتضيف: “آخر مرة قضيت فيها العيد في سوريا كنت في الحادية عشرة من عمري. كنا نبدأ اليوم الأول في بيت عائلة أبي، نلعب مع أولاد الأعمام والعمّات، ونتناول الأطعمة المميزة، ونأخذ العيديات. أما اليوم الثاني، فكان في بيت أهل أمي، بنفس الطقوس تقريبًا، وكانت الأجواء عائلية بامتياز”.
وتشير: “في سوريا، بعد صلاة العيد – وأشهر المساجد لدينا المسجد الأموي – نذبح الأضحية، وغالبًا ما تكون من الخراف، على عكس مصر التي يغلب فيها ذبح الأغنام بأنواعها. ومن أساسيات العيد لدينا تقديم المعمول، بخلاف مصر حيث يُقدم غالبًا في عيد الفطر فقط.
المعمول السوري يُعدّ من السميد والدقيق، محشو بالتمر أو الفستق الحلبي، ويُشكّل باستخدام قوالب خاصة تُظهر نقشات جميلة، ثم يُخبز حتى يتحوّل للون الذهبي، ويُقدَّم مع الشاي أو القهوة.”
وتستكمل: “الفتة لدينا مختلفة تمامًا؛ فتتنا هي عبارة عن أرز بالزعفران والدجاج المشوي أو المسلوق، يُقدَّم مع الخبز المحمّص والمرقة الغنية، وفي سوريا، لا نلتزم بطبق واحد في العيد؛ كثيرًا ما نحضّر ورق العنب أو المحشي بالطريقة السورية”.
وتختم بقولها: “في الإسكندرية، أكون سعيدة جدًا بأجواء العيد، ووجود أصدقائي وعائلتي هنا يجعل المناسبة أجمل. لكن يبقى هناك شيء ناقص دائمًا، وهو العائلة الممتدة. نتواصل عبر مكالمات الفيديو لتعويض غيابهم، لكن الفرحة الكاملة لا تكتمل إلا عندما نكون جميعًا معًا”.