الذاكرة هي نعمة نتذكر بها الأحباب وكل ما هو ماض، نتذكر فيها من مروا بحياتنا بقوة في لحظات الحب والفراق، نتذكر من فارقونا من أحبائنا وكل قريب منا ولقلوبنا.. فالذكرى تعيش بداخلنا بإرادة تجعلنا أمام صعاب آلام الفراق وتظل محفورة بين ثنايا الروح في ابتسامات تضيئ حياة بأكملها موصولة بحب ينمو بين وجود الرحمة والمغفرة.
رحل أبي.. رحل الصوت الدافئ والنظرة الطيبة المليئة بالوعود واليد التي تساعد وتوجه.. رحل في صمت.. رحل الحنان والرفيق.. رحل الجسد، والروح باقية فينا تعلمُنا وتعوض فينا الحب العميق وتبقي مع فجوة الرؤى.
“الأب” هي كلمة كبيرة تحوي معاني كثيرة من التضحية والحنان، وأنهار لا تجف أبدًا، الأب يعطي ولا ينتظر ويقدم كل ما يملك فهو سبب الوجود وسبب العون، والقلب الصافي والأمل لغدًا أفضل يصنعه لأولاده وعماد الأمور ونجدة السائل مهما أودت به الأمواج، ويبسط بذور الأمل في البقاء والسعي من جديد.
فقدان الأب هو بمثابة الدرس الذي لابد أن نراه بحجمه الحقيقي وأن نقف مع أنفسنا لأجله فهو فقد الراحة والأمان.
يغيب الأب ويظل العقل يبحث عن حياة مفقودة مشتعلة لا تنطفئ ليس بسرد كلمات ألم وحزن وسط غربة مظلمة ترافقنا وألم لن يعوضه المكان والزمان، ونظل كالزهور وسط الأشواك نحلم في ظل صمت وعجز بذكريات طفولتنا ووعي شبابنا لبُعد لا يندثر.
آلام الفراق لفقد أحبائنا معاناة نسهر لياليها نفقد فيها الأنيس ونداء أسمائنا وتهافت شجن وأحلام ذهبت لتغترب دون أذن مرة أخيرة وهجر دون عودة لتنهي رحلة قامت بسواعد لم تنضب وثبات وشموخ وعزة.
أمل الحياة رحل ولا يعوض غيابه شئ فقد كان القوة والصبر التي نقف بهم على محطات مؤلمة.. خطواته وكلماته وضحكاته، محطات نخطوا إليها للإتصال بالروح المفقودة بيننا في ظل صورة حية في كل لحظة نفكر فيها عند مجئ الليل وفي كل صباح.. نتمسك بك إيمانًا بما تعلمناه منك فروحك الطاهرة لم ترحل ونعيش بها لنظل على قيد اللقاء.
قيمة الواقع الأليم الذي يتسلل للقلب تاركًا الأثر الكبير في الفراق.. فالأب هو المرشد والداعي لكل زمان.
صعاب الفراق والرؤى تجعلنا لا ننسى من أعطى كل ما يملك ولا نتأقلم مع خلود انطفاء الشموع ووجع الفقد لاشتياق بين أحضان ماضي فرض نفسه ليرسي على شط أهوى به الريح ليقف على موطن الأحباب.. وننظر لنرى بأن القارب قد أفضى بما هو أغلى علينا وما نملك.. ونفاجئ بحاضر وذكرى الراحلين.
نعمة الحمد أمرنا بها الله عز وجل دائمًا وأن نرضى بما هو مقسوم لنا وثوابه بالحمد كبير، فإن الابتلاء بالخير والشر يستحق الحمد كثيرًا، فالوقت لا يعود ثانية، ونسأل الله الرباط على قلوبنا النابضة بألم الفراق، كما ربط على قلب أم موسى عليه السلام من ألم فراق أبنها.