بيشوي ادور
تُعد محافظة الإسكندرية من المدن التي تحتفظ بالكثير من الحرف التقليدية التي تمثل جزءًا مهمًا من تراثها الثقافي. فعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه الحرف في العصر الحديث، إلا أن بعض الحرفيين ما زالوا متمسكين بها ويعملون على الحفاظ عليها من الاندثار.
في منطقة محطة مصر بالإسكندرية، يُمكنك أن تجد ورشة صغيرة لفتت الانتباه، حيث يقوم رجل في الخمسينيات من عمره بصناعة توابيت خشبية يدوية، وهي مهنة قديمة كانت متوارثة عبر الأجيال. يعمل الرجل بحرفية عالية، ويستخدم مطرقة وزمّالة لتشكيل الخشب وضبطه بشكل دقيق. أمامه تابوت خشبي مثبت على حاملين، وكل ضربة من المطرقة تتناغم مع صدى خشب الموتى، وتُصدر صوتًا خاصًا يحمل في طياته عبق التاريخ والحرفية.
هذه المهنة، التي قد تبدو غريبة للبعض، تمثل جزءًا من ثقافة الأقباط، الذين يعتمدون على هذه التوابيت المصنوعة يدويًا في طقوس دفن موتاهم. على الرغم من أن العديد من هذه التوابيت أصبحت تُصنع باستخدام تقنيات صناعية حديثة، إلا أن هذا الرجل لا يزال يعمل على إحياء فن صناعة التوابيت اليدوية، مدفوعًا بحب المهنة ورغبة في الحفاظ على تراث أجداده.
تتطلب هذه الحرفة مهارة خاصة ومعرفة عميقة بخصائص الخشب وأدوات النجارة، بالإضافة إلى الصبر والدقة في العمل. فصناعة تابوت خشبي ليست مجرد مهمة تقنية، بل هي أيضًا تعبير عن الاحترام والاعتناء بتفاصيل تقليدية تُحاكي الموروث الثقافي للأقباط، مما يضيف قيمة روحانية إلى ما يصنعه هذا الحرفي المبدع.
قمنا بزيارة الورشة المتخصصة لتحدث مع صاحب تلك الورشة العريقة التي يبلغ عمرها 100 عام لتوثيق مراحل تصنيع تابوت دفن الأقباط، بدءًا من عملية تجميع الأخشاب، مرورًا بعملية دهان التابوت، ثم إضافة الزينة الخارجية، وصولًا إلى الشكل النهائي الذي يُعد جاهزًا لدفن المتوفى.
يقول عم محمد الشامي، صاحب أقدم ورشة لتصنيع توابيت الموتى للأقباط في محافظة الإسكندرية، بأنه يمارس هذه المهنة منذ نحو خمسين عامًا، حيث ورثها عن أجداده الذين بدأوا العمل في هذا المجال منذ عام 1917 وهذا يعكس تاريخًا عريقًا في هذه الصناعة. لافتا أن انطلاقة مشوارهم المهني في هذا المجال تعود إلى جدهم الأكبر، الذي بدأ عمله كنجار مساعد مع الأرمن والشوام الذين أقاموا في الإسكندرية منذ زمن بعيد ومن خلال السنوات، استطاع جدهم اكتساب مهارات هذه الحرفة، مما أتاح لهم فرصة بناء إرث طويل في صناعة التوابيت، والذي يواصل تداوله في عائلتهم حتى يومنا هذا.
وأضاف أنه علي الرغم من كوني مسلمًا، إلا أني احظى بسمعة طيبة بين الأقباط والكنائس لإتقانه فن صناعة التوابيت، فضلاً عن مهارتي في نحت صور السيدة العذراء والسيد المسيح والصليب ويفضل العديد من الكنائس في الإسكندرية وخارجها التعامل معه.
ويوضح عم محمد أن عملية صناعة التابوت تتم على عدة مراحل، تبدأ بتحديد نوع الخشب المرغوب فيه، حيث يمكن استخدام مختلف أنواع الخشب، ولكن هناك أنواع مفضلة ومرتفعة الثمن، بعد ذلك يتم تقطيع الأخشاب وتجميعها وتصميم شكل التابوت تأتي بعدها مرحلة صنفرة الخشب، حيث يتم تجهيزها للدهان و التلميع وفقًا للشكل واللون النهائي الذي يختاره الزبون، سواء كان اللون أبيض أو أي لون آخر، وبعد ذلك تأتي مرحلة تبطين التابوت من الداخل، حيث يتم استخدام مادة الإسفنج مع قماش حرير، بالإضافة إلى وضع وسادة خاصة للمتوفى داخل التابوت.
واشار أن عملية صناعة التابوت تتم عبر عدة مراحل متكاملة تبدأ هذه العملية بتحديد نوع الخشب المطلوب، حيث يمكن استخدام أنواع مختلفة من الخشب، ولكن هناك بعض الأنواع المفضلة التي تتميز بارتفاع ثمنها بعد ذلك، يتم تقطيع الأخشاب وتجميعها وتصميم شكل التابوت وفقًا للمواصفات المطلوبة.
وتابع نأتي الي مرحلة صنفرة الخشب، حيث يتم تجهيز السطح للدهان والتلميع بما يتناسب مع الشكل واللون النهائي الذي يختاره العميل، سواء كان اللون أبيض أو أي لون آخر وفي المرحلة الأخيرة، يتم تبطين التابوت من الداخل باستخدام مادة الإسفنج مع قماش حريري، بالإضافة إلى وضع وسادة خاصة للمتوفى داخل التابوت.
اختتم عم محمد حديثه بالتأكيد على أهمية حب الفرد لعمله، حيث يُعتبر المصدر الرئيسي لرزقه موضحاً أن هذا الشغف بالعمل يُتيح للأشخاص فرصة لتطوير مهاراتهم وإتقان حرفهم مؤكداً أننا نعيش في وطن يلتف فيه جميع أبنائه حول هدف واحد، مما يعكس وحدتنا كأمة واحدة.