كتبت: أميرة سلامة
عندما تجتمع الموهبة الفطرية مع الإصرار، ويُضاف إليهما ذكاء فني استثنائي، يولد نجم لا يتكرر كثيرًا في تاريخ الفن. هكذا كان عادل إمام، الذي لم يدخل عالم الشهرة بوساطة أو صدفة، بل بشغف صادق وعطاء متواصل جعله رمزًا للضحكة والدراما معًا، وفنانًا استثنائيًا استطاع أن يغيّر جلده الفني ويبقى متربعًا على القمة لأكثر من خمسين عامًا.
مسيرة بدأتها الموهبة… وصقلها الاجتهاد
وُلد عادل إمام في 17 مايو 1940، بقرية “شها” التابعة لمركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، في أسرة بسيطة أراد والده أن يراه موظفًا حكوميًا، كما كان يُنظر آنذاك إلى الوظيفة كرمز للاستقرار. لكن عادل تمرد على هذا الحلم النمطي، وسار خلف شغفه بالفن.
في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وعلى خشبة المسرح الجامعي، كانت الانطلاقة. موهبته التمثيلية لفتت الأنظار بسرعة، وبدأ يشق طريقه تدريجيًا حتى قرأ إعلانًا عن بحث المخرج عبدالمنعم مدبولي عن وجه جديد لمسرحية “هو وهي”، ليبدأ حينها اسم “عادل إمام” يلمع شيئًا فشيئًا.
من الكومبارس إلى نجم الشباك الأول
رغم بداياته المتواضعة في أدوار صغيرة، أثبت عادل إمام أن الموهبة لا يمكن تجاهلها طويلًا. شارك في فيلم “أخو البنات” عام 1967، وظهر بوضوح في فيلم “لصوص لكن ظرفاء” عام 1968 مع أحمد مظهر. بعد نكسة 1967، تأخرت نجوميته قليلاً، لكنه صبر حتى أصبح لاحقًا النجم الأوحد في الساحة السينمائية.
أعماله الكوميدية، التي غالبًا ما حملت رسائل اجتماعية وسياسية ذكية، مثلت انعكاسًا عميقًا لوعي فني ناضج. قدم خلال مسيرته أكثر من 160 فيلمًا، من أبرزها:
-
شمس الزناتي (1991)
-
الإرهاب والكباب (1992)
-
مرجان أحمد مرجان (2007)
زعيم المسرح أيضًا
لم يكن المسرح غائبًا عن مسيرته؛ بل كان مساحة للانطلاق والتألق. قدم عادل إمام عددًا من المسرحيات الخالدة مثل:
-
مدرسة المشاغبين
-
شاهد ما شفش حاجة
-
الواد سيد الشغال
-
الزعيم
تلك العروض لم تكن مجرد لحظات ضحك، بل كانت منصات ناقشت قضايا الفساد والبيروقراطية والعلاقات الاجتماعية بأسلوب ساخر وعميق.
نجاحه الدرامي المتأخر.. ولكن اللامع
في السنوات الأخيرة، اقتحم عادل إمام عالم الدراما التلفزيونية، وحقق فيها حضورًا قويًا من خلال أعمال مثل:
-
فرقة ناجي عطا الله
-
العراف
-
صاحب السعادة
-
أستاذ ورئيس قسم
ورغم تقدمه في العمر، حافظ على نكهته الفنية وقدرته على كسب قلوب المشاهدين من مختلف الأجيال.
جوائز وتكريمات مستحقة
خلال مسيرته الطويلة، نال الزعيم العديد من الجوائز المحلية والدولية، من بينها:
-
جائزة أفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي
-
تكريم من الدولة المصرية عن مجمل أعماله
-
تقديرات من مهرجانات عربية ودولية، احتفت بإرثه الفني وتأثيره الثقافي
الحياة الشخصية.. الإنسان خلف الأسطورة
رغم نجوميته، ظل عادل إمام إنسانًا بسيطًا في حياته اليومية. تزوج من نهلة الشلقاني بعد قصة حب حقيقية، وأنجب منها: رامي، محمد، وسارة. تحدث كثيرًا عن وفاء زوجته ودورها الكبير في حياته، وقال عنها: “ما كنتش أتجوز غيرها أبدًا”.
علاقته بوالده كانت مزيجًا من الهيبة والحب، أما والدته فكانت الأقرب إلى قلبه. قال عنها: “أمي كانت أكتر إنسانة بتحبني، وموتها كان صدمة عمري”.
وفي حديثه عن أحفاده، وصفهم بأنهم “أجمل ما في حياته”، وطلب منهم مناداته بـ”جدو” بدلًا من “بابا عادل”، وقال إن هذا اللقب أسعده كثيرًا.
شهادات من الكبار.. زملاؤه يتحدثون
قالت النجمة يسرا، التي شاركته في 17 فيلمًا، إن عادل إمام “أسطورة فنية وإنسانية”، وكان سببًا مباشرًا في انطلاقتها الفنية. أما الكاتب الكبير وحيد حامد، فقال: “لم يكن الأمر مخططًا، لكن كل ما قدمناه معًا نجح… وكان عادل إمام هو النجم الأول الذي يحتضن القضايا الجادة ويُلبسها عباءة الكوميديا”.
كما وصفه المخرج شريف عرفة بـ”المايسترو الحقيقي” الذي يتعامل مع الكاميرا والجمهور بحدس فني فريد.
الاعتزال.. اختيار نابع من الاكتفاء
أعلن المخرج رامي إمام أن والده قرر التفرغ لحياته الأسرية، واختار التوقف عند هذه النقطة، بعد مسيرة استثنائية. لم يودّع جمهوره بعمل وداعي، لأنه كان دائمًا يفضل أن يُذكر في أوج مجده.
الإرث الذي لا يُنسى
عادل إمام ليس مجرد فنان، بل أيقونة حقيقية في الثقافة العربية. أفلامه ومسرحياته شكلت وعي أجيال، وخطاباته الكوميدية حفرت قضايا المجتمع في وجدان المشاهد. ورغم ابتعاده عن الساحة، يبقى تأثيره حاضرًا في كل بيت عربي، وكل ممثل طموح يرى فيه القدوة والمُلهم.