كتبت – مهرائيل مجدي
يُعد صيام الرسل من أقدم الأصوام التي عرفتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويتميّز بطابع روحي وخدمي فريد، حيث يجمع بين التأمل والتكريس، وبين العمل والكرازة، ليُذكّر المؤمنين برسالة التلاميذ الأولى بعد صعود السيد المسيح.
ويبدأ الصوم مباشرة بعد عيد العنصرة، الذي تحتفل فيه الكنيسة بحلول الروح القدس على التلاميذ، ويستمر حتى الثاني عشر من يوليو، وهو اليوم الذي يُحيي فيه الأقباط ذكرى استشهاد الرسولين بطرس وبولس، اللذين يُعدّان من أعمدة الكرازة المسيحية.
طبيعة الصوم ومرونته الزمنية
على عكس بعض الأصوام الأخرى، لا تأتي مدة صيام الرسل ثابتة، بل تختلف من عام لآخر بحسب موعد عيد القيامة. فكلما جاء العيد مبكرًا، طالت مدة الصوم، والعكس صحيح، ومع ذلك، يظل بدايته دومًا في اليوم التالي لعيد العنصرة.
ويُصنّف صوم الرسل ضمن الأصوام من الدرجة الثانية في الكنيسة، مما يمنحه بعض المرونة في قوانينه، حيث يُسمح خلاله بتناول الأسماك، باستثناء يومي الأربعاء والجمعة، إذ تلتزم الكنيسة فيهما بالامتناع الكامل عن البروتين الحيواني.
أبعاد روحية وكرازية
لا يُنظر إلى صيام الرسل على أنه مجرد امتناع عن الطعام، بل هو دعوة متجددة للكرازة والخدمة، إذ يستعيد روح البدايات الأولى للكنيسة عندما خرج الرسل مبشرين، حاملين رسالة الخلاص إلى شعوب العالم رغم ما واجهوه من تحديات واضطهادات.
ويحرص كثير من الأقباط خلال هذا الصوم على تكثيف صلواتهم، والمشاركة في القداسات اليومية، إلى جانب الانخراط في أعمال الخدمة المجتمعية، اقتداءً بما فعله التلاميذ في نشر الرسالة وبناء الكنيسة الأولى.
بطرس وبولس.. رمزان للكرازة والتجديد
يُختتم الصوم بالاحتفال بـ عيد الرسولين بطرس وبولس، واللذين يمثلان رمزين للكرازة والانطلاق في الفكر الكنسي. فبطرس هو أول من أعلن إيمانه بلاهوت المسيح، أما بولس فهو “رسول الأمم” الذي حمل البشارة إلى أقاصي الأرض.
ويُعد عيد استشهادهما في 12 يوليو واحدًا من الأعياد الكنسية الكبرى، حيث تقام فيه الصلوات والتسابيح الخاصة تكريمًا لدورهما التاريخي في تأسيس الكنيسة ونشر الإيمان.
رسالة مستمرة عبر الأجيال
ورغم مرور أكثر من ألفي عام على بدء الكرازة المسيحية، لا تزال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفظ بهذا الصوم كـ مناسبة روحية سنوية، تُجدّد فيها رسالتها الأساسية، وهي أن يكون المؤمنون “شهودًا للمسيح في كل زمان ومكان”، مستلهمين في ذلك بساطة الرسل وتعبهم من أجل إيصال الحق والرجاء لكل إنسان.