<< طارق إسماعيل: الصحافة الورقية ذاكرتنا الثقافية والتكنولوجيا ليست بديلاً
<< أحمد عاشور: النشر الرقمي غيّر قواعد اللعبة… لكنه لم يُلغِ الورق
<< أحمد سليم: القرصنة خطر يهدد مستقبل الإبداع والحل في التشريعات
كتبت – هاجر عزام
في ظل التسارع الكبير في التطورات التكنولوجية وانتشار المنصات الرقمية، بدأت ملامح صناعة النشر تشهد تحولات جوهرية في مصر والعالم العربي. من الكتب الورقية إلى الإلكترونية، ومن المعارض التقليدية إلى التسويق عبر الإنترنت، تتغير أنماط القراءة والكتابة، ما يثير تساؤلات حيوية حول مستقبل الثقافة والهوية في العصر الرقمي.
“المحتوى هو الأساس… لا التكنولوجيا”
يرى الكاتب الصحفي طارق إسماعيل، مدير تحرير جريدة الأهرام، أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، ومن الطبيعي أن يهتم بها الصحفيون، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في الدور الذي تؤديه هذه التكنولوجيا: هل تساهم في رفع الوعي والثقافة، أم تبعد الناس عن مصادر المعرفة الموثوقة؟
وأشار إسماعيل إلى التراجع الواضح في الإقبال على المطبوعات الورقية لصالح المحتوى الرقمي، معتبرًا أن الورق ليس مجرد وسيلة نشر، بل وثيقة تحفظ التاريخ والهوية الثقافية، وأن تلاشي هذه الوثيقة يعني ضياع الذاكرة الثقافية للأمة. وأعرب عن قلقه من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، التي تنقل أحيانًا معلومات غير دقيقة، بعكس الصحف الورقية التي كانت تخضع للمحاسبة والمراجعة.
وأكد أن التكنولوجيا يجب أن تُستخدم كأداة لتطوير الصحافة لا بديلاً عنها، مشيرًا إلى أن ظهور الراديو والتلفزيون لم يُلغ الصحافة الورقية، على عكس وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لمعلومات قد تكون مضللة. كما انتقد الخلط بين الصحفي المهني ومنشئ المحتوى الرقمي، الذي غالبًا ما يفتقر إلى المعايير الأخلاقية والمهنية للصحافة.
ودعا إسماعيل إلى دعم المؤسسات الصحفية وإنشاء مصانع ورق محلية لمواجهة التحديات الاقتصادية، مؤكدًا أن غياب الدعم الحكومي سيؤدي إلى اختفاء الصحافة الورقية تدريجيًا، ويُهدد بتكوين جيل يفتقر إلى الثقافة والوعي.
وشدد إسماعيل على أهمية إعادة النظر في سياسات التعليم والإعلام الثقافي، بما يعيد للقراءة مكانتها داخل المجتمع، خاصة في ظل التراجع الملحوظ في نسب القراءة الحرة. وأشار إلى ضرورة إطلاق حملات وطنية تعزز من قيمة الكتاب، سواء الورقي أو الرقمي، وربط الأجيال الجديدة بمفهوم القراءة المستمرة لا الاستهلاك اللحظي للمعلومة.
أزمة الأسعار تُهدد صناعة النشر الورقي
أما الكاتب الصحفي أحمد سليم، فقد سلط الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجه صناعة النشر الورقي، وعلى رأسها ارتفاع أسعار الورق والأحبار، ما أدى إلى إغلاق العديد من دور النشر، ودفع كثيرين إلى الاتجاه نحو النشر الرقمي كبديل أقل تكلفة.
وأشار سليم إلى نجاح تطبيقات القراءة الإلكترونية مثل “أمجد”، داعيًا إلى إطلاق منصات مصرية مشابهة تعكس الطابع المحلي وتواكب التحول الرقمي. وعلى الرغم من هذه التطورات، يرى أن الكتاب الورقي سيظل محتفظًا بمكانته، وإن كان النشر الإلكتروني سيتوسع بشكل أكبر.
وحذّر من القرصنة الإلكترونية، مؤكدًا ضرورة مواجهتها بالتشريعات والتقنيات المناسبة، وشدد على أهمية تطوير الكاتب لأدواته التكنولوجية للحفاظ على الإبداع. وعبّر عن قلقه من اعتماد البعض على الذكاء الاصطناعي في كتابة الكتب والدراسات دون وعي بمحدوديته، مؤكدًا أن جوهر الكتاب يجب أن يبقى إنسانيًا نابعًا من فكر الكاتب لا من خوارزمية.
ودعا سليم إلى تفعيل دور الدولة في حماية صناعة النشر، من خلال سنّ قوانين تجرّم القرصنة الرقمية بشكل صارم، ومنح تسهيلات ضريبية لدور النشر، وتشجيع الاستثمار في الطباعة المحلية، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة التي تعيد إحياء الورق كوسيط ثقافي.
النشر الورقي والرقمي: تكامل لا صراع
من جانبه، يؤكد الكاتب أحمد عاشور أن التكنولوجيا الرقمية أثّرت بوضوح على النشر الورقي، لكنها لم تلغه، بل غيرت قواعد اللعبة، مضيفًا أن الوسائط الرقمية وفّرت خيارات أوسع للوصول إلى الجمهور، خاصة بين الأجيال الشابة، وساهمت في تسريع نشر المحتوى وتوسيع دائرة التفاعل.
ويؤمن عاشور بأن النشر الورقي لا يزال يحتفظ بجاذبيته، لا سيما بين محبي الطقوس التقليدية للقراءة، داعيًا إلى التكامل بين الورقي والرقمي لتعزيز تجربة القراءة.
ويرى أن الكاتب لم يعد مضطرًا للمرور عبر الوسائل التقليدية للنشر، بل يمكنه النشر مباشرة عبر الإنترنت، ما أوجد تحولات عميقة في طبيعة سوق النشر.
وشدد على أن النشر الرقمي ليس خصمًا للورقي، بل رافدًا له، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة إذا أُحسن استخدامه. وأكد أن الكتاب الورقي سيظل محتفظًا بمكانته الوجدانية، وإن قلّ انتشاره مقارنة بالعقود السابقة، متوقعًا أن يصبح النشر الورقي أكثر انتقائية، يركز على الأعمال التراثية والتاريخية.
كما نبه إلى التحديات التي تواجه النشر الرقمي، مثل القرصنة، وسرعة استهلاك المحتوى، ما يستدعي الحفاظ على جودة الطرح والابتكار في الأسلوب. وأشار إلى أن التكنولوجيا كسرت الحواجز الجغرافية، وساهمت في خلق مجتمع قرائي واسع، لكن يبقى التحدي في تحويل “المتابعين” إلى “قراء حقيقيين”.
ويرى عاشور أن التحول الرقمي يمكن أن يُستثمر في تنمية ثقافة القراءة لدى الأطفال، عبر تطوير تطبيقات تفاعلية تُراعي أعمارهم وتقدم المحتوى بأساليب جذابة. فبدلاً من أن تصبح الشاشات أداة للترفيه السلبي فقط، يمكن أن تُحوَّل إلى منصات تعليمية وتربوية فعالة تُرسّخ حب الكتاب منذ الصغر.