مشاريع الأكل من المنزل طوق نجاة اقتصادي..
سلوى بعد الستين: مشروع من قلب المطبخ.. وحياة تبدأ من جديد
<<| كنت بحب المطبخ من زمان.. وقررت أبدأ الرحلة بعد التقاعد
<<| الأكل البيتي أغلى.. بس معمول بحب وبمكونات نظيفة
<<| كنت معتمدة على السوشيال ميديا.. وسمعة الأكل هي اللي كبرتني
كتبت: شاهيناز العمري
في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة وارتفاع معدلات البطالة، لم يعد البحث عن فرص العمل رفاهية، بل ضرورة يومية. لكن وسط هذا المشهد الضاغط، بدأت كثير من السيدات المصريات – لا سيما ربات البيوت – في خوض تجربة جديدة تجمع بين الحاجة والموهبة، وبين الشغف والعمل: إنها مشاريع “الأكل من المنزل”.
لم تعد هذه المشاريع مجرد وسيلة لتحسين الدخل، بل تحوّلت إلى مساحة للتمكين، وتحقيق الذات، وتقديم نموذج جديد لريادة الأعمال المنزلية.. من قلب المطبخ.
من الشغف إلى الرزق.. مطبخ البيت يتحول إلى مشروع واعد
مع سهولة الوصول إلى العملاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التوصيل، لم يعد المشروع المنزلي حبيس الحي أو الشارع. بل أصبح بإمكان أي سيدة تمتلك مهارة الطهي أن تتحول إلى صاحبة مشروع، دون الحاجة إلى رأس مال كبير أو محل تجاري.
وبينما كان البعض يرى أن هذه المشاريع مجرد “حل مؤقت”، أثبتت التجربة أنها تمثل بديلًا فعليًا ومصدر دخل مستقرًا لكثير من الأسر، حتى لمن لا يحتاج العمل كضرورة مادية.
سلوى.. من حب المطبخ إلى مشروع بعد المعاش
من داخل مطبخها الصغير، بدأت المهندسة سلوى – بعد تقاعدها – مشوارًا جديدًا لم تكن تتخيل أنه سيُحدث كل هذا الفرق في حياتها. تقول:”كنت بحب المطبخ من زمان، ودايمًا بطبخ لأهلي وصحابي.. بس طول فترة شغلي مكنش عندي وقت أبدأ مشروع. بعد المعاش، قررت أبدأ الرحلة، رغم إن أولادي كانوا شايفين إني محتاجة أرتاح.”
بدأت سلوى بتقديم أكلات منزلية أصيلة، تعتمد على مكونات طبيعية مثل السمن البلدي واللحوم البلدية، ما أكسب طعامها نكهة مميزة، حتى لو كان ذلك يعني أسعارًا أعلى من الوجبات الجاهزة.
قالت”: “الناس أوقات بتستغرب إن الأكل البيتي أغلى من المطاعم، بس اللي مش شايفينه هو فرق الجودة.. أنا مش بستخدم حاجة جاهزة أو مجهولة، وده بيخلي الأكل نظيف وصحي ومليان حب.”
من زبونة لزبونة.. الشهرة تأتي من المذاق
واجهت سلوى في البداية صعوبة في الانتشار، لكن الجودة والتوصيات لعبت الدور الأهم في بناء سمعتها. اعتمدت على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى “كلمة الزبون”، التي سرعان ما أصبحت وسيلتها الأقوى في التسويق.
قالت: “كنت مركزة إن الناس تحب الأكل وتحس إنه معمول من القلب، ومع الوقت بدأت الطلبات تزيد، وبقي عندي قاعدة زباين ثابتة.”
أحد التحديات المستمرة التي تواجهها سلوى هي مسألة التوصيل، خاصة للمناطق البعيدة، لكنها تعمل على تطوير حلول بالتدريج، بما يناسب قدراتها وظروف المشروع.
أكلات خاصة لحالات خاصة.. الإنسانية أولًا
ما يميز مشروع سلوى هو تفهمها لاحتياجات زبائنها. فهي لا تقدم قائمة طعام ثابتة، بل تطهو حسب الطلب، وتخصص وجبات للحالات الصحية الخاصة – من دون ملح أو توابل، أو بأصناف مسلوقة فقط.
قالت: “ناس كتير بيطلبوا أكل مخصوص لمرضى أو كبار سن، وده أنا بعمله من منطلق إنساني قبل ما يكون خدمة تجارية.. الأكل مش بس رزق، الأكل رسالة كمان.”
خطوة بخطوة.. نحو حلم أكبر
رغم نجاحها، لا تفكر سلوى في التوسع السريع. تؤمن أن بناء المشروع على أرض صلبة هو الأهم، وأن كل مرحلة لها وقتها المناسب.
“نفسي المشروع يكبر، بس مش بسرعة. دلوقتي عندي ناس شغالة معايا، وبقيت مسؤولة عن بيوت تانية كمان. فقبل أي توسع، لازم أكون متأكدة إن الأساس قوي.”
ما بين التحدي والفرصة.. مشاريع الأكل من المنزل إلى أين؟
مع تنامي الإقبال على الأكل البيتي وازدياد ثقة المستهلك فيه، باتت هذه المشاريع تمثل ظاهرة اجتماعية واقتصادية متصاعدة. لكن لضمان استمراريتها، تحتاج إلى دعم في مجالات مثل التسويق، التوصيل، التغليف، والتدريب على مهارات الإدارة والتوسع.
ورغم غياب الإطار الرسمي أحيانًا، فإن هذه المبادرات تُثبت يومًا بعد يوم أنها فرص حقيقية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، خاصة للنساء اللواتي لم تتح لهن فرص عمل تقليدية.