<< العصيدة والتقلية في السودان مقابل الأوزي والشيشبرك في سوريا
<< القطايف والكنافة مقابل اللزيا والبسبوسة
شاهيناز العمري
ظل شهر رمضان مناسبة استثنائية تعيشها الشعوب الإسلامية بطقوسها الخاصة التي تعكس هويتها وثقافتها، حيث يتجلى الشهر الكريم بروحانيته وكرمه وأجوائه العائلية المميزة. وبينما تشترك الدول الإسلامية في جوهر رمضان، فإن لكل شعب عاداته وتقاليده الخاصة التي تجعله يعيش رمضان بطريقته الفريدة.
رمضان في السودان: روح التكافل وكرم الضيافة
تبدأ الاستعدادات لشهر رمضان في السودان قبل حلوله بوقت طويل، حيث تنشغل ربات المنازل بتجهيز الاحتياجات الأساسية من المواد التموينية، مثل البهارات المختلفة واللحم المجفف، بالإضافة إلى شراء الأواني الجديدة والأطباق المخصصة للعصيدة، في عادة متوارثة بين بعض القبائل السودانية.
تقول غادة عابدين، وهي سيدة سودانية تنتمي لأب سوداني وأم مصرية: “رمضان في السودان له طابعه الخاص، حيث تبدأ النساء قبل فترة بتحضير المشروبات الرمضانية التقليدية مثل (الحلومر) أو (الأبري)، والذي يُعد من أشهر المشروبات الرمضانية. ويستغرق تحضيره عدة أيام، إذ يتم إنبات الذرة وتجفيفها وطحنها ثم خلطها مع التوابل مثل الكزبرة والقرفة والهال، لتتحول بعد العجن إلى رقائق تُطهى على صاج كبير فوق الفحم”.
وتضيف غادة: “مع حلول رمضان، يبدأ السودانيون أول أيام الشهر بالعزائم العائلية التي تجمع الأهل والأحبة، حيث تمتلئ الموائد بالأطباق التقليدية التي تعكس التراث السوداني الأصيل. ومن أبرز العادات السودانية أيضاً الإفطار الجماعي، حيث يجتمع الجيران في الشوارع، ويجهزون الموائد الرمضانية الممتدة، ويقومون بقطع الطريق لدعوة المارة لتناول الفطور معهم”.
أما عن المائدة السودانية، فتقول سمرة عاطف، ابنة السيدة غادة: “نبدأ الإفطار عادة بمشروب (النشا)، وهو شبيه بالشوربة لكنه مصنوع من دقيق الذرة، ثم نقدم البليلة المصنوعة من الحمص والتمر. ومن الأكلات الأساسية (العصيدة) بأنواعها، حيث تُقدم مع (التقلية)، وهي صلصة مصنوعة من البامية المطحونة مع اللحم المفروم، إلى جانب طبق (القراصة) الذي يُعد من الأطباق الرئيسية”.
ويستمر أهل السودان في عاداتهم الرمضانية حتى بعد الإفطار، حيث يتوجه الجميع إلى المساجد لأداء صلاة التراويح التي تكون مصحوبة بالخطب الدينية، ويزينون المساجد بالفوانيس والمصابيح الملونة. كما يحرص الشباب على القيام بدور المسحراتي، حيث يجوبون الشوارع مرددين العبارات التراثية مثل “يا صائم قوم اتسحر” لتنبيه الناس إلى وقت السحور.
رمضان في سوريا: أجواء روحانية ولمّ الشمل العائلي
وفي سوريا، يُعد شهر رمضان مناسبة لتعزيز الروحانية والتآلف الاجتماعي. تقول أم نور العين، وهي سيدة سورية كانت تعيش في صيدا جنوب السودان قبل أن تنتقل إلى مصر: “يبدأ الاستعداد لرمضان بفترة قصيرة، حيث نقوم بتنظيف المنازل وتحضير المستلزمات الأساسية مثل التمر والأرز والطحين والعصائر الرمضانية. وعلى عكس بعض الدول، لا نهتم كثيراً بتزيين المنازل بالزينة الرمضانية، بل نركز أكثر على الأجواء الروحية، مثل تنظيف المساجد وإضافة الأنوار لها وتنظيم الحلقات الدينية”.
وتضيف أم نور: “من العادات السورية أيضاً أن اليوم الأول من رمضان يكون مخصصاً لتجمع أهل البيت فقط، دون تبادل الزيارات، بينما تبدأ العزائم بعد ذلك بأيام. كما أن هناك تقليدًا جميلًا يسمى (طعمة رمضان)، حيث يقوم أهل المرأة بإرسال الدجاج وبعض المؤن لها في الأسبوع الأول من الشهر”.
وعن العادات الغذائية، تقول أم نور: “يفضل السوريون الإفطار على التمر والماء، ثم تناول العصائر التقليدية مثل العرقسوس والتمر هندي ومشروب الجلاب، وهو مشروب شائع مصنوع من دبس العنب أو التمر مع المكسرات والماء. أما المائدة الرمضانية، فتختلف من منطقة إلى أخرى، لكن من أشهر الأطباق لدينا (الرقاقة)، وهي أكلة تتكون من الطحين والبصل والدجاج، و(المليحي) الذي يُعد من الأكلات التراثية، بالإضافة إلى (الأوزي)، وهو طبق يشبه المنسف الأردني، و(الشيشبرك)، الذي يُعد من العجين المحشو باللحم المفروم ويُطهى مع شوربة شاكرية”.
أما عن وقت السحور، فتشير أم نور إلى أن السوريين يفضلون الأطعمة الخفيفة مثل الأجبان والبيض والحليب والزيتون. وكما في السودان، يقوم (المسحراتي) بإيقاظ الناس للسحور، حيث يسير في الشوارع وهو يردد عبارات مثل “يا نايم وحد الدايم”، وعادة ما يحصل على عطايا من أهل الحي، سواء كانت أموالًا أو طعامًا أو حلوى.
وتضيف أم نور: “للحلويات مكانة خاصة في رمضان، حيث نحرص على تحضير القطايف والكنافة بأنواعها، وخاصة المدلوقة والنابلسية، بالإضافة إلى البسبوسة واللزيا، التي تُعد من الحلويات التقليدية المصنوعة من الطحين والسمن والسكر. وقبل انتهاء الشهر، تبدأ الأسر السورية في تحضير حلويات العيد مثل المعمول والبيتي فور والغريبة، وهو تقليد متوارث يضفي البهجة والفرحة مع قدوم العيد”.
يعد شهر رمضان فرصة لتجديد الروابط الاجتماعية وإحياء العادات والتقاليد التي تميز كل شعب عن غيره. ففي السودان، يتجلى الشهر الكريم في موائد الكرم والتكافل الاجتماعي والإفطار الجماعي في الشوارع، بينما في سوريا يكون رمضان شهر الروحانيات والتآلف الأسري والطقوس التراثية العريقة. ورغم اختلاف التفاصيل، يبقى رمضان شهر الخير والمحبة في جميع أنحاء العالم الإسلامي.