بيشوي ادور
تعد مدينة الإسكندرية بحق نقطة التقاء بين التاريخ والتراث، حيث تجسد في كل زاوية من زواياها تاريخًا طويلًا من العراقة، وتحتفظ بتفاصيل مهنية تقليدية لا تزال حية رغم مرور الزمن، فالمهن التي تُمارس في أرجاء المدينة، مثل مهنة العمل على «الصنادل البحرية»، تمثل جزءًا مهمًا من هوية الإسكندرية الاقتصادية والاجتماعية.
موقع المتراس في حي الورديان هو واحد من أبرز الأماكن التي تعرض هذا التراث العريق. هناك، حيث يمتد البحر الأبيض المتوسط، تظهر تلك السفن الضخمة، التي تُعرف بالصنادل البحرية، وهي مخصصة لنقل البضائع الثقيلة والمواد الأساسية مثل المواد الغذائية والبترولية، التصميم الفريد لهذه السفن، الذي يعتمد على تجويف الهيكل، يجعلها مناسبة لحمل كميات كبيرة من البضائع، مما يعزز دورها في حركة التجارة البحرية التي تعتبر شريانًا حيويًا للإسكندرية.
العمل على هذه السفن ليس مجرد مهنة، بل هو إرث موروث من الأجداد الذين نقلوا مهاراتهم وخبراتهم عبر الأجيال، وبالرغم من التطور التكنولوجي في وسائل النقل الحديثة، لا تزال هذه السفن تمثل جزءًا أساسيًا من حركة التجارة البحرية في الإسكندرية، ويواصل العديد من العمال الحفاظ على هذه المهنة والعمل بها على مدار الساعة لتأمين رزقهم.
يقول إبراهيم يوسف، المسؤول عن جمعية عمال الصنادل في منطقة المتراس، بأن سفن الصنادل تُعد وسيلة نقل متخصصة لنقل كافة أنواع المواد الصلبة بكميات كبيرة، تتراوح بين 400 إلى 500 طن. ويتألف طاقم كل صندل من أربعة أفراد، يشمل الريس البحري الذي يتولى قيادة المركب، بالإضافة إلى الميكانيكي المسؤول عن تشغيل محرك الصندل بالإضافة إلى شخصين آخرين يُعرفان باسم سكوندوا، وهما البحارة أو المساعدون، يُشار إلى أن يوم العمل يبدأ في الساعة الثامنة صباحاً، ويستمر على مدار 24 ساعة متواصلة. حيث يتم البدء في تحميل المواد التي سيتم تفريغها داخل الصندل، بالإضافة إلى المواد الغذائية مثل القمح والفول الصويا، وكذلك الأخشاب والفحم وغيرها.
وأشار إلى أن الحياة على متن المراكب الصنادية تمثل تحديًا كبيرًا للعاملين فيها، حيث يُجبر هؤلاء على العمل لمدة 15 يومًا متواصلًا، نظرًا لأن هذه المراكب تجوب رحلات تمتد من مدينة الإسكندرية في الشمال إلى مدينة أسوان في الجنوب وبيّن أن العمل في الصنادل البحرية يتيح للموظفين فرصة فريدة لاستكشاف هذا العالم المخفي عن قرب، مما يمنحهم القدرة على التفاعل المباشر مع أنشطة الشحن والتفريغ، والتعرف على العمليات اللوجستية المرتبطة بهذه الحركة التجارية الحيوية.
أوضح أن هذه المراكب تحتوي على غرفة مجوفة تضم منطقة مخصصة للمعيشة، مزودة بأسرة و دورات مياه، مما يتيح للعامل فرصة الإقامة فيها والنوم داخلها مشيراً أن هذه المراكب تم تصميمها لتحمل الظروف الجوية المتغيرة، فضلاً عن قدرتها على مواجهة الصدمات والعوامل الأخرى التي قد تواجهها أثناء التنقل في البحيرات.
من جهة أخرى، يعبّر عم محمد، أحد العاملين في صناعة الصنادل البحرية، عن ارتباطه العميق بهذه المهنة التي ورثها عن والده إذ بدأ مسيرته المهنية في هذا المجال منذ خمسة وعشرين عاماً، حيث كان والده يشغل نفس المهنة كانت فرصة مرافقة والده في رحلاته البحرية تجربة ملهمة شكلت جزءًا كبيرًا من حياته كان يرافقه دائماً عندما تُتاح له الفرصة، لافتاً أن هذه الرحلات وقد أسس هذا الأمر حباً عميقاً لديه لهذه المهنة، رغم التحديات العديدة التي تعترض طريقهما، مثل التعب وصعوبات العمل ومع ذلك، كان مصمماً على متابعة مسيرة والده والاستمرار في العمل في هذا المجال.