كتبت – يسر محمود:
خلال مجاعة السودان عام ١٩٩٣حصل المصور “كيفن كارتر” على الصورة التي كانت السبب في شهرته وأيضاً سبب انتحاره، كانت الصورة لطفل يئن ضعفاً.. وألماً.. وجوعاً يحاول أن يزحف للوصول لمركز توزيع الطعام، بينما حط نسرٌ بجواره منتظراً موته حتى يلتهمه، كان كارتر واقفاً يرقب هذا المشهد المبكي المؤثر ليصوره، وانتظر ٢٠ دقيقة آملاً أن يفتح النسر جناحيه حتى يلتقط صورة أفضل لكن لم يحدث فطرد كارتر النسر ومضى، دون أن يُساعد الطفل، لأنهم أخبروه قبل أن يذهب إلى السودان أن هناك الكثير من الأوبئة المعدية هناك.
بعدها قامت صحيفة نيويورك تايمز العالمية بشراء الصورة وانتشرت بشكل واسع، حصل على إثرها “كارتر” على جائزة بوليتزر العالمية، لكن العالم هاجمه هجوماً شرساً لتركه الطفل دون أن يُقدم له الطعام أو يحاول مساعدته، ثم وُجد “كارتر” منتحراً في سيارته ومعه رسالة كُتب فيها: «أنا آسف جداً. لكن ألم الحياة يفوق متعتها بكثير لدرجة أن المُتعة أصبحت غير موجودة… أنا مكتئب… تطاردني ذكريات حية من عمليات القتل والجُثث والغضب والألم… لأطفال يتضورون جوعاً أو جرحى، من المجانين المولعين بإطلاق النار، أغلبهم من الشرطة، من الجلادين القتلة».. ومات كارتر عن عمر ٣٣ عاماً.. ودون أن يساعد الطفل المسكين.. البائس.
واليوم بعد ما شاهدناه ونشاهده يومياً من مقاطع مصورة أقسى وأبشع بكثير من مشهد طفل السودان، لأطفال قتلوا.. وجرحوا.. ويُتموا.. وجُوعوا.. هُجروا من منازلهم في غزة والسودان، أيمكن أن نظل صامتون؟ وهل يعني صمتُنا أننا مشاركون أيضاً فيما يتعرضون له؟.. الإجابة هي نعم، إن صمتنا يعني الموافقة على هذه المأساة!
فبحسب تقرير وزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد القتلى منذ بداية القصف الإسرائيلي لقطاع غزة في أعقاب هجوم ٧ أكتوبر تجاوز٢١ ألف قتيل، من بينهم 8 آلاف طفل و٦٢٠٠ امرأة، وبهذا يكون ٧٠٪ من القتلى في غزة من الأطفال والنساء، بينما وصل عدد المصابين إلى ٥٥ ألف شخص. وكذا الوضع في السودان فهناك أكثر من ٧ مليون نازح و١٢ ألف قتيل.
مشاركتنا على الرغم من كونها أضعف الإيمان إلا أنها واجبة، وإن من يقابل ما يحدث في غزة والسودان بقلبٍ بارد وفمٍ صامت فعليه أن يُعيد النظر في انتمائه للجنس البشري، لا تكن مثل كارتر يأخذ ما يحقق صالحه ويمضي أو تكتفي بمجرد المشاهدة والحزن الصامت فهو غير مُجدي ولن ينفعهم بشئ. ساعد بما تستطيع لمن لا يستطيع.. يمكن أن نتبرع ونقدم يد العون والمساعدة وخاصة بعد حدوث انفراجة والسماح بدخول بعض الشاحنات المحملة بالمساعدات لقطاع غزة عن طريق المؤسسات الخيرية؛ مثل :”بنك الطعام المصري- بيت الزكاة والصدقات- الهلال الأحمر المصري- مؤسسة مرسال الخيرية- مؤسسة مصر الخير- مؤسسة حياة كريمة” وغيرها من المؤسسات.
تبرع، قاطع..أكتب.. أرسم.. غني.. مثل..أنشر..ادعي.. صلي.. أفعل أي شيء.. لكن لا تكن صامت، فلعلها تكون المنجية.