|<< دارسة في علم الاجتماع: التسول يمثل مظهرًا من مظاهر الهشاشة المجتمعية
<<| الدكتور إبراهيم الجمل: الإسلام يرفض التسول ويدعو للتعفف والعمل
كتبت: ملك نور الدين
رغم ما تتمتع به مدينة الإسكندرية من طابع حضاري وتاريخي عريق، إلا أن ظاهرة التسول باتت جزءًا لا يتجزأ من المشهد اليومي، حيث أصبحت تشكّل عبئًا اجتماعيًا وثقافيًا يهدد صورة المدينة، فالمارة في الشوارع، ومرتادو وسائل النقل والمقاهي والمطاعم، باتوا يتعرضون بشكل متكرر لمواقف تسول تتفاوت بين الاستعطاف المباشر والاحتيال المقنع.
في محيط الجامعة.. متسولون بوجهٍ مألوف
في محيط جامعة الإسكندرية، تتكرر المشاهد بشكل لافت؛ فبين أروقة الكافيتريات، وبجوار إشارات المرور، وعلى أرصفة محطة الترام، وأمام المطاعم والمقاهي القريبة من الحرم الجامعي، تنتشر أعداد من المتسولين من فئات عمرية مختلفة: رجال ونساء مسنون، أطفال، وأشخاص يعانون أمراضًا نفسية أو إعاقات ظاهرية. يحملون مناديل ورقية أو أوراق أذكار، ويعرضونها بأسعار مضاعفة، مستغلين مشاعر القلق والارتباك لدى الطلاب، خاصة في مواسم الامتحانات.
ولا يكتفي هؤلاء بطلب المال، بل يعترضون طريق المارة بأسلوب مباشر وأحيانًا ملحّ، في صورة تعكس تحوّل الظاهرة من سلوك فردي عابر إلى مشهد يومي متكرر،
يثير التساؤلات حول أسبابها ودوافعها، ويطرح علامات استفهام حول فعالية المواجهة المجتمعية والرسمية لها.
أبعاد اجتماعية معقدة
تؤكد حنان حسين جاد، دارسة في علم الاجتماع، أن التسول يمثل مظهرًا من مظاهر الهشاشة المجتمعية، مشيرة إلى أن الظاهرة تعكس خللاً كبيرًا في شبكات الدعم والرعاية، وتتداخل فيها عوامل اقتصادية، واجتماعية، ونفسية، وسلوكية، وحتى دينية.
وأوضحت أن وجود متسولين حول الجامعات يُعد من المؤشرات السلبية التي تسيء لصورة المجتمع لدى الطلاب المغتربين والوافدين، وتنقل لهم انطباعات مشوشة عن الواقع، يصعب تغييرها لاحقًا.
وعن الدوافع والأسباب متعددة، قالت حنان حسين جاد إن من الأسباب الاقتصادية وهي الفقر، البطالة، وارتفاع تكاليف المعيشة أبرز العوامل الدافعة، ومن الأسباب الاجتماعية وهى التفكك الأسري، الجهل، واستغلال عصابات منظمة، ومن الأسباب النفسية والسلوكية وهي الاعتياد على الكسل، الاضطرابات العقلية، والاحتيال، ومن الأسباب الثقافية والدينية هي مفاهيم خاطئة حول الصدقة، وبيئة تبرّر الظاهرة.
منظور ديني: الكرامة أولًا
يرى الدكتور إبراهيم الجمل، مدير عام منطقة الدعوة والإعلام الديني بالأوقاف بالإسكندرية، أن الإسلام يرفض التسول ويحث على الكرامة والتعفف، مستشهدًا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تنهى عن السؤال دون حاجة حقيقية.
وقال “الجمل”: “على الدولة أن تلعب دورًا محوريًا في الحد من ظاهرة التسول، من خلال تنظيم حملات توعية، وتوفير مراكز لإيواء الفقراء، وتقديم وجبات الطعام، وخلق فرص عمل لمن يستطيع العمل، وعلى الأفراد أيضًا أن يسعوا في طلب الرزق، وأن يتكاتف المجتمع للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي تسيء إلى صورة المجتمع، وتتنافى مع قيم الإسلام الحقيقية القائمة على التعاون والتكافل والستر”.
جهود الدولة.. استجابة وتدخلات
تسعى الدولة جاهدة للحد من هذه الظاهرة من خلال وزارة التضامن الاجتماعي، حيث وجهت الوزيرة مايا مرسي فرق التدخل السريع للتعامل مع حالات بلا مأوى، وإجراء دراسات حالة، ودمج المستحقين في مؤسسات الرعاية أو داخل أسرهم. ومنذ انطلاق الفريق في عام 2024، تم التعامل مع نحو 33 ألف شكوى وبلاغ، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية.
أرقام وقوانين
وفقًا لدراسات المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، تحتل القاهرة المركز الأول من حيث عدد المتسولين، تليها الإسكندرية بحوالي 1600 متسول. في حين لا تزال النسب الحقيقية صعبة التحديد.
أما قانونًا، فتنظم قوانين التسول المصرية الظاهرة من خلال مواد قانون رقم 49 لسنة 1933، الذي يفرض عقوبات متفاوتة تصل إلى السجن لمدة سنة، مع تشديد العقوبة في حالة استخدام الأطفال أو التصنع بالإعاقة.
خاتمة: مسؤولية جماعية
ظاهرة التسول لم تعد قضية فردية، بل باتت تحتاج إلى تكامل أدوار الدولة، والأفراد، والمؤسسات.
لابد من مواجهة الظاهرة بالتوعية، والرعاية، والتشريع، وملاحقة العصابات المنظمة، دون إغفال جانب الوعي المجتمعي بضرورة العطاء المسؤول، وعدم دعم الاستغلال تحت ستار الحاجة.