|<< أخصائي نفسي: السوشيال ميديا تؤدي إلى اكتئاب سريري وتأخر لغوي واجتماعي
<<| المواطنون: الأطفال يتحدثون بسرعة ويتصرفون بعنف بسبب الفيديوهات
تحقيق: هاجر عزام
تحولت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة “تيك توك” و”يوتيوب”، من مجرد وسيلة ترفيهية للأطفال إلى مصدر قلق حقيقي للأسر والخبراء على حد سواء. فعلى الرغم من طبيعتها المرحة والخفيفة، باتت هذه المنصات تهدد التوازن النفسي والسلوكي للأطفال، وتؤثر سلبًا على تطورهم الاجتماعي والمعرفي.
منطقة غير آمنة.. السوشيال ميديا في قفص الاتهام
يقول محمود فرج، رئيس مجلس إدارة الجمعية الاجتماعية للإعلاميين ونائب رئيس اتحاد السلام المجتمعي، إن منصات السوشيال ميديا أصبحت “منطقة غير آمنة” للأطفال، نظرًا لما تحتويه من محتوى متنوع قد يكون غير مناسب أو يحمل قيمًا غير أخلاقية أو مضللة، في ظل غياب رقابة حقيقية من الأسرة.
ويضيف: “الفيديوهات القصيرة، خاصة على تيك توك، تؤثر سلبًا على قدرة الطفل على التركيز والاستيعاب، كما تعزز أنماطًا سلوكية غير سوية مثل العنف والانفعال المفرط، وتروج لانحرافات فكرية وأخلاقية.”
ويؤكد أن غياب الرقابة الأسرية، والاعتماد المفرط على الشاشات في التعليم، ساهم في تراجع المهارات اللغوية والمعرفية، حتى بين خريجي الجامعات، مشيرًا إلى أن الطفل اليوم يُربى على يد “الخوارزميات” لا الأسرة.
اضطرابات سلوكية ونفسية.. شهادات من الواقع
هناء عادل، والدة لطفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، تحكي: “كنا نظن أن تيك توك مجرد تسلية، لكني فوجئت بتغير سلوك ابنتي تمامًا.. أصبحت عصبية، منعزلة، وأداؤها الدراسي تراجع بشكل كبير. تتحدث بسرعة وتشوش وكأن عقلها لا يستوعب إلا في فقرات قصيرة، مثل الفيديوهات التي تشاهدها.”
وتضيف ندى، شقيقة الطفلة “مريم” ذات الثماني سنوات: “أختي أصبحت تقلد الفيديوهات تلقائيًا، حتى كلماتها أصبحت منسوخة من المقاطع التي تشاهدها. حركتها وردودها وحتى مفاهيمها عن الحرية والحقوق لا تتناسب مع سنها.”
أما محمد، والد الطفل “مالك” ذي الخمس سنوات، فيروي: “أعطيناه الموبايل ليشغل وقته، لكن فوجئنا أنه لا يستطيع التفاعل مع الأطفال في الحضانة. الطبيب أخبرنا أن استخدام الهاتف قبل سن السادسة خطأ فادح.. كنا نظن أننا نساعده، لكننا فعليًا كنا نعزله عن الحياة.”
الرأي العلمي.. السوشيال ميديا قد تُحدث اكتئابًا وتأخرًا لغويًا
تؤكد الدكتورة إيناس عادل، أخصائي نفسي وتحليل سلوك، أن الاستخدام المفرط لمقاطع الفيديو القصيرة يؤدي إلى اضطرابات سلوكية واضحة، أبرزها العنف، التنمر، التقليد غير الواعي، وردود الفعل المبالغ فيها.
وتضيف أن “الإدمان على تيك توك أو يوتيوب قد يصل إلى مستوى الاكتئاب السريري، نتيجة العزلة والانسحاب الاجتماعي، والمقارنة المستمرة مع الآخرين في عالم افتراضي غير حقيقي.”
كما تشير إلى أن هذا النوع من المحتوى يسبب تأخرًا لغويًا، وضعفًا في المهارات الاجتماعية، وتراجعًا في القدرة على التركيز والانتباه السمعي والبصري.
وتحذر من أن كثيرًا من الأطفال يتأثرون نفسيًا بشخصيات الإنترنت، ويتقمصونها في حياتهم اليومية، مما يؤدي إلى تشوش الهوية السلوكية. كما لفتت إلى أن “التوحد” ليس ناتجًا عن الشاشات، بل هو اضطراب عصبي بيولوجي، مشيرة إلى أن المقارنة بين الواقع الافتراضي والواقعي تزرع الشعور بالنقص لدى الأطفال.
حلول وتوصيات
تشدد الدكتورة إيناس على ضرورة الرقابة الأبوية على ما يتعرض له الطفل، وعدم السماح باستخدام الهواتف الذكية قبل سن السادسة. وتوصي بتحديد مدة استخدام السوشيال ميديا للأطفال بحيث لا تتجاوز ساعتين يوميًا، مع تقسيمها على فترات متباعدة.
وتختتم بقولها: “السوشيال ميديا يمكن أن تكون أداة مفيدة، ولكن فقط إذا أُحسن استخدامها.. وعلى الأسرة أن تعود إلى دورها الأساسي في التربية والتفاعل المباشر مع الطفل.”