كتب: الباحث أسامة شمس الدين
إن موقف مصر من الأوضاع الراهنة في فلسطين ليس رد فعلٍ لحظيًا، بل هو تجسيدٌ لدورٍ تاريخيٍّ أصيلٍ ومستمرٍ، رسخته مكانتها كدولة عربيةٍ هي الأقرب جغرافيًا والأكثر ارتباطًا بفلسطين، لا سيما قطاع غزة. وتُعَدُّ الهويةُ الشعبيةُ المشتركةُ عنصرًا حاسمًا في صياغة هذا الموقف المصري. إن العلاقة بين المصريين والفلسطينيين تتجاوز الأبعاد السياسية؛ فهي علاقةٌ عميقةُ الجذورِ في التاريخِ المتبادلِ، واللغةِ، والثقافةِ. هذا الارتباطُ الوجدانيُّ والنفسيُّ يفسرُ التعاطفَ الجارفَ للشارعِ المصريِّ مع القضيةِ الفلسطينيةِ، ورفضَه المطلقَ لأيِّ حلولٍ تنتقصُ من الحقوقِ المشروعةِ للشعبِ الفلسطينيِّ.
لقد ظلَّت مصرُ، وما زالت، قلبَ القضيةِ الفلسطينيةِ، والمدافعَ الأولَ عن حقوقِ الشعبِ الفلسطينيِّ. إن ما تشهدُه فلسطينُ حاليًا من كارثةٍ إنسانيةٍ غيرِ مسبوقةٍ، ناجمةٍ عن انتهاكاتٍ إسرائيليةٍ صارخةٍ للقانونِ الدوليِّ والقانونِ الدوليِّ الإنسانيِّ، هو ما يدفعُ الدولةَ المصريةَ إلى تأكيدِ ثوابتِ موقفها، والتي تتجلى في ثلاثةِ مبادئَ جوهريةٍ:
1. رفضُ التهجيرِ: مبدأٌ مصريٌّ راسخٌ وأمنٌ قوميٌّ لا يحتملُ التفاوضَ أو المقايضةَ.
لطالما كان رفضُ التهجيرِ القسريِّ للفلسطينيين مبدأً استراتيجيًا راسخًا في السياسةِ المصريةِ، ليس فقط من منطلقِ التضامنِ العربيِّ، بل لكونه يمثلُ تهديدًا وجوديًا ومباشرًا للأمنِ القوميِّ المصريِّ. تدركُ القيادةُ المصريةُ تمامًا أن محاولاتِ دفعِ سكانِ غزةَ نحو سيناءَ ليست سوى تصفيةٍ للقضيةِ الفلسطينيةِ، وهو ما تتعاملُ معه الدبلوماسيةُ المصريةُ باعتباره خطًا أحمرَ لا رجعةَ فيه ولا قبولَ للمساومةِ عليه. وتؤكدُ مصرُ على حتميةِ بقاءِ الشعبِ الفلسطينيِّ على أرضه؛ فدفعُ سكانِ غزةَ نحو سيناءَ ليس مجردَ مسألةٍ إنسانيةٍ، بل هو تهديدٌ استراتيجيٌ يهدفُ إلى تغييرِ التركيبةِ الديموغرافيةِ والسياسيةِ للمنطقةِ، مما يهيئُ بيئةً خصبةً لنموِّ الجماعاتِ المسلحةِ ويقوضُ استقرارَ الأمنِ الحدوديِّ المصري.
2. الوساطةُ المستمرةُ: من الماضي إلى الحاضرِ.
إن دورَ مصرَ كوسيطٍ فاعلٍ في القضيةِ الفلسطينيةِ لا يقتصرُ على الأزمةِ الراهنةِ؛ فقد أسهمت، منذ اتفاقياتِ كامب ديفيد وما قبلها وحتى اللحظةِ الراهنةِ، في تهدئةِ الأوضاعِ بين إسرائيلَ والفصائلِ الفلسطينيةِ عبرَ مساعٍ حكيمةٍ ومتكررةٍ لحمايةِ المدنيينَ الفلسطينيينَ. وتُعدُّ جهودُ الوساطةِ التي تبذلها الدولةُ المصريةُ لوقفِ إطلاقِ النارِ وتقديمِ المساعداتِ الإنسانيةِ استمرارًا طبيعيًا لهذا الدورِ المحوريِّ الذي يهدفُ إلى حقنِ الدماءِ وإنهاءِ دوامةِ العنفِ المستمرةِ.
وتسعى مصرُ جاهدةً لكسرِ هذه الحلقةِ المفرغةِ، وتؤكدُ أن السلامَ الحقيقيَّ لن يتحققَ إلا من خلالِ حلٍّ سياسيٍّ شاملٍ يعالجُ الأسبابَ الجذريةَ للمشكلةِ.
3. حلُّ الدولتين: رؤيةٌ مصريةٌ ثابتةٌ لا تتغيرُ.
إن حلَّ الدولتين يمثلُ الرؤيةَ المصريةَ الثابتةَ منذَ عقودٍ خلت؛ فإقامةُ دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ على حدودِ عامِ 1967، وعاصمتُها القدسُ الشرقيةُ، هو السبيلُ الوحيدُ لإرساءِ سلامٍ عادلٍ ودائمٍ. إن ما يحدثُ في فلسطينَ من انتهاكاتٍ إسرائيليةٍ ممنهجةٍ لحقوقِ الإنسانِ يؤكدُ، أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، أن الحلَّ العسكريَّ لا يمكنُ أن يجلبَ السلامَ المنشودَ، وأن الاستقرارَ الحقيقيَّ لن يتحققَ إلا بمنحِ الشعبِ الفلسطينيِّ حقوقَه المشروعةَ كاملةً.