<< البطل الذي دفن في بيت لحم ليظل حيًا في الذاكرة الفلسطينية
<< البطل أحمد عبدالعزيز.. تحدى الهزيمة وحقق انتصارًا في تل أبيب
كتبت – روان السيد عمارة
في قلب حي المهندسين بالقاهرة، يمتد شارع يحمل اسمًا قد يبدو عاديًا للمارة، لكنه في جوهره تخليدٌ لقصة استثنائية لبطل عربي قلّ أن يجود الزمان بمثله.،إنه شارع البطل أحمد عبد العزيز، العقيد المصري الذي لم يكن مجرد ضابط في حرب 1948، بل كان تجسيدًا للإرادة العربية حين ترفض الهزيمة، وتقاوم رغم كل المعوقات.
البداية: الجندي الذي أصبح رمزًا
كان أحمد عبد العزيز في البداية جنديًا عاديًا في الجيش المصري، لكن مع اندلاع حرب 1948، أثبت كفاءته القتالية ومهاراته الاستراتيجية، ليصعد بسرعة إلى رتبة العقيد.
وفي تلك الحرب، التي شكلت نقطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لم يكن عبد العزيز مجرد ضابط يؤدي واجبه، بل قائدًا عسكريًا صاحب رؤية وطموح. ورغم الظروف الصعبة، لم يقبل أن تكون الهزيمة حتمية.
البطل في تل أبيب: تحطيم المستحيل
تجسد شجاعة أحمد عبد العزيز في أكثر اللحظات إثارة في حرب 1948 في وقت كانت فيه القيادات العسكرية تتراجع وتنسحب، تمكن عبد العزيز من قيادة قواته لاحتلال منطقة تل أبيب، وهو إنجاز لم يسبق له مثيل، كانت القوات الإسرائيلية في تلك الفترة تتلقى دعمًا مستمرًا من الدول الكبرى، وكان الجيش العربي يعاني من نقص في الإمدادات، لكن عزيمة أحمد عبد العزيز كانت أقوى من أي تحدٍّ.
لقد تمكن من تحقيق انتصار حقيقي وسط الهزائم التي لحقت بالجيوش العربية، مما جعله رمزًا حقيقيًا للمقاومة، خصوصًا في الذاكرة الفلسطينية.
المرحلة الأخيرة: مأساة النهاية
لكن، رغم هذه الانتصارات العظيمة، لم يكن مصير أحمد عبد العزيز سعيدًا. ففي حادثة مأساوية، قُتل على يد جندي مصري يُدعى بكر الصعيدي، كان يعتقد أنه يواجه العدو.
هذه الحادثة جسدت الفوضى التي كانت تعم الجبهات العسكرية، حيث تفكك الصفوف وغياب التنسيق بين القادة العسكريين، مما أدى إلى فقدان البطل في لحظة غير متوقعة.
كان لوفاة عبد العزيز أثر عميق في فلسطين، حيث رفض الفلسطينيون إعادة جثمانه إلى مصر، وأصروا على دفنه في بيت لحم، في مقبرة قبة رحيل، ليظل قبره حتى اليوم مزارًا يعكس ارتباطه العميق بالقضية الفلسطينية. هذا المكان أصبح رمزًا من رموز الصمود العربي.
أزمة القيادة وتخاذل الأوامر
لم تكن هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948 مجرد نتيجة للقتال على الأرض، بل كان أحد الأسباب الرئيسية في القرارات السياسية التي اتخذت دون النظر إلى الواقع العسكري. يشير كثير من الشهادات إلى أن التنسيق بين الجيوش كان ضعيفًا للغاية، وأن بعض الأوامر الصادرة كانت متناقضة، ما جعل الأمور أسوأ. على سبيل المثال، كان الملك الأردني عبد الله الأول قد أصدر أوامر بانسحاب القوات الأردنية من بعض المناطق المحررة، وهو قرار لم يلقَ قبولًا من القائد الأردني عبد الله التل، الذي قرر الانشقاق والانضمام إلى قوات الفدائيين تحت قيادة أحمد عبد العزيز.
التحدي والذكرى الحية
اليوم، لا يزال اسم أحمد عبد العزيز يتردد في القاهرة وبيت لحم، في شوارع مصرية وفلسطينية، تُذكر الأجيال الجديدة بهذا البطل الذي قدم حياته من أجل قضية العرب الأولى. تظل ذكراه في الوعي الجمعي العربي كما لو كانت تجسيدًا للأمل. في فلسطين، يُعتبر من بين أبرز الأبطال الذين خاضوا معركة ليس فقط من أجل الأرض، بل من أجل الكرامة والعزة.
ليس عبد العزيز مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا لإرادة الشعب العربي في مواجهة قوى الاحتلال. ورغم أن الحرب كانت مليئة بالمآسي والهزائم، كانت هناك لحظات مشرقة من البطولة، مثل التي قادها هذا البطل. دخل أحمد عبد العزيز تل أبيب، وبهذا التقدم أصبح رمزًا للكرامة العربية في أوقات اشتدت فيها الخيانات والتخاذل السياسي.
الدرس المستفاد: إرادة لا تُقهر
إن قصة أحمد عبد العزيز لا تتوقف عند أحداث حرب 1948 فقط، بل تظل درسًا حيًا في قوة الإرادة والتمسك بالقضية مهما كانت التحديات. فالتاريخ العربي يحمل بين صفحاته العديد من الأبطال الذين تقاتلوا من أجل فلسطين، ولكن أحمد عبد العزيز يبقى أيقونة الصمود التي لا تُنسى. إذا كانت الحرب قد انتهت بخسائر، فإن ذكراه وشجاعته لا تزال حية في قلب كل من يؤمن أن فلسطين تستحق المقاومة.
إن التاريخ لا يُكتب فقط بالأحداث، بل بالأبطال الذين جعلوا من حياتهم معركة لا تنتهي. أحمد عبد العزيز كان أحد هؤلاء الأبطال الذين صنعوا التاريخ وساهموا في إشعال روح المقاومة التي ستظل مشتعلة إلى أن تتحقق الحرية والكرامة في فلسطين.